التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ
٩٤
-يوسف

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } لما خرج العير من مصر هبّ ريح الصبا على القميص وجاءت الى يعقوب وهبت على وجهه ونشقته ريح يوسف فقال انى لاجد ريح يوسف وجد ريح يوسف من مسافة ثلاثين فرسخا لانه كان فى كل انفاسه مستنشقا لريح يوسف وهكذا شان كل عاشق يتعرضون لنفحات ريح وصال الازل ويستنشقون نسائم ورد مشاهدة الابد بقلوب حاضرة وعيون باكية فى الخلوت والصحارى و الفلوات كانهم ينشدون هذين البيتين كل وقت شوقا الى تلك المعادن

ايا جيلى نعمان بالله خليا طريق الصبا يخلص الىّ نيسمها

فان الصبا ريح اذا ما تنسّمت على نفس مهموم تجلت همومها ولذلك قال صلى الله عليه وسمل ان لربكم فى ايام دهركم لنفحات الا فتعرضوا لنفحات الرحمن ما اطيب حال المحبين حيث راقبوا لرايح كشف الصفات من معادن الذات وطلبتهم عرائس القدم فى قميص الالتباس كانهم ينشدون من غاية الشوق الى تلك المعاهد هذين البيتين

سلام على تلك المعاهد انها شريعة ورد او مهب شمال
فقد صرت ارضى من سواكن ارضها تخلب برق او بطيف خيال

فدين لهذه القضية الحسنة الالهية ما احسن شمائلها وما اطيب لطائفها وما انور روائحها انظر كيف اخبر سبحانه من حسن احوال العاشقين والمعشوقين قال نحن نقص عليك احسن القصص علم يوسف مواساة ريح الصبا واودعه ريحه حتى اسرع من البشير فى ايصال الخبر الى يعقوب شوقا منه الى وصال يعقوب اذكر فى هذا المعنى بيتين لطيفتين

نسيم الصبا بلغ سلامى اليهم وارفق بفضلك بالهبوب عليهم
وقل لهم انى وان كنت نازحا فروحى وقلبى حاضران لديهم
نسيم الصبا ان جئت ارض احبتى فخصهم منى بالف سلام
وبلغهم انى رهين صبابة وان غرامى فوق كل غرامى

ومعنى قوله { لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ } علم ان من لم يكن فى بلاء المعشوق لم يستنشق ريح المعشوق فيريب المخبر بما كوشف له قال جعفر يقال ان ريح الصبا سال الله فقال خصّه بان ابشره بابنه فاذن الله له فى ذلك فكان يعقوب ساجدا فرفع رأسه وقال انى لاجد ريح يوسف فقال له اولاده انك لفى ضلالك القديم اى فى محبتك القديمة وكان الريح ممزوجة بالعناية والشّفقة والرحمة والخبار وبزوال المحنة وكذلك المؤمن المتحقق يجد نسيم الايمان فى قلبه وروح المعرفة من العناية التى سبقت له من الله فى سرّه قال الاستاد كان امر يوسف وحديثه على يعقوب مشكلا فلما زالت المحنة تغيرت بكل وجه الحالة قيل كان من يوسف على يعقوب اقل من مرحلة حيث القوه فى الجب فاستتر عليه خبره وحاله ولما زال البلاء وجد ريحه وبينهما مسافة ثمانين فرسخا من مصر الى كنعان ويقال لا يعرف ريح الاحباب الا الاحباب فاما على الاجانب فقد احدث مشكل ان يكون للانسان ريح وقال الاستاد فى قوله لولا تفندون تفرس فيهم انهم يبسطون لسان الملامة فنبههم على ترك الملامة فلم ينجع فيهم قوله فزادوا فى الملامة بان قرنوا كلامهم بالقسم وقالوا الله انك فلى ضلالك القديم لم يحتشموا اباهم ولم يرواعوا حقه فى المخاطبة فوصفوه بالضلال فى المحبة ويقال ان يعقوب قد يعرف من الرياح نسيم يوسف وخبر يوسف كثيرا حتى جاء الاذن للرياح وهذا سنته الاحباب مسائلة الديار ومخاطبة الاظلال وفى معناه انشدوا

وانى لا شهدى الرياح نسيمكم اذا اقبلت من نحوكم بهبوب
واسألها حمل السلام اليكم فان هى يوما بلغت فاجيب