التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ
١٢
وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ
١٣
-الرعد

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } بين سبحانه ههنا مقامات المريدين والمتوسطين حيث ذكر البرق والخوف والطمع واين العارفون من مقام الخوف والرجاء وهم فى قنوط النكرة وامن المعرفة واين هم من مقام الخوف وهم فى بحر الاجلال مستفرقون واين هم من مقام الرجاء وهم فى مجالس الانبساط منبسطون واين هم من مقام البرق وهم محترقون فى بروق شموس مشاهدة القدم والازل هذا حال سلاك الطريقة اذا سافروا فى بيداء المحبة والشوق وهم عطاش فى سراب الحيرة فيتلطف بهم تعالى وينشئ شمال الشفقة وسحاب الالفة ويريهم برق تجلى المشاهدة ويمطر عليهم وبال الوصال من مزن الجمال فيخافون من فوته تارة ويطمعون بقاءه تارة وايضا هو الذى يرى المحبين برق المكاشفة ويكشف لهم نور المشاهدة وينشئ للعارفين سحاب العظمة الثقال بانوار الهيبة ويمطر عليهم طوفان بحر الازل والاباد فيفنيهم بطوارق العظمة ويحييهم بماء حيوة الالوهية فسقر الارادة تحت سحاب المنة وكشف برق المشاهدة وخوف الفرقة وطمع الوصلة كما انشد الشبلى

اظلت علينا منك يوما عمامت اضاءت لنا برقا وابطار شاشها فى قاره
غيمها يحلوا فيانس طامع ولا غيثها ياتى فيروى عطاشها

ثم وصف سبحانه اهل كمال بيداء توحيده الذين قاموا عليه بشرط الفناء من مشاهدة قدمه ورؤية بقائه بالوجد والاحوال والزفرات والعبرات والفناء والبقاء بقوله { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ } الرعد ههنا شهقات الصديقين من الوجد والهيجان فى بحار العظمة من وقوع انوار تنزيه القدم فى قلوبهم فرعد شهقاتهم لسان الربوبية تقدس ساحة كبريائه عن غبار حوادث الحدثان والملائكة ارواح العارفين وهى فانية من اجلال عظمته ناطق بنطق ازليته بوصف ديموميته واذا اشرق شوامخ القدم والبقاء من طلوع شمس الذات والصفات فيقع صواعق الكبرياء على اهل التجريد والتفريج فيفينهم عن الحدثان وتحرقهم عن نفوسهم هكذا يفعل بهم سطوات القدوسية وسبحات الالوهية غيره على مشاهدة القدم قال ابن البرقى فى هذه الاية يريكم انوار محبته فمن خائف فى استناره وطامع فى تجليه وقال ابو على الثقفى ورود الاحوال على الاسرار كالبروق لا يمكث بل تلوح فاذا لاح فربما ازعج من خائف خوفه وربما حرك من محب حبه قال ابو بكر بن طاهر خوفا من اعتراض الكدورة فى صفا المعرفة وطمعا فى الملازمة فى اخلاص المعاملة وقال ابو يعقوب الابهرى خوفا من القطع والافتراق وطمعا فى القرب والاستباق وقال بعضهم خوفا من عقابه وطمعا فى ثوابه قال ابن عطا خوفا للمسافر وطمعا للمقيم وقال ابن الزنجانى الرعد صعقات الملائكة والبرق زفرات افئدتهم والمطر بكاءهم وقال الاستاد كما يريهم البرق فى الظاهر فيرددهم بين خوف وطمع خوفا من احتباس المطر وطمعا فى محبته وخوفا للمسافر فى مجئ املطر وطمعا للمقيم فى مجيئه كذلك يريهم البرق فى اسرارهم بما يبدوا فيها من اللوائح ثم اللوامع ثم الطوالع ثم كالبرق فى الضياء وهذه انوار المحاضرة ثم انوار المكاشفة خوفا من ان ينقطع ولا يبقى وطمعا فى ان تدوم فيها تقى صاحبه عن المحاضرة الى المكاشفة ثم من المكاشفة الى المشاهدة ثم الى الوجود ثم من دقام الوجود الى كمال الخمود ويقال البروق من حيث البرهان ثم يزيد فيصير كاقمار البيان ثم يصير الى نها ر العرفان فان طلعت شموس التوحيد فلا خفاء بعده ولا استتار ولا غروب لتلك الشموس كما قيل هى الشمس الا ان للشمس غيبة وهذا الذى يفنيه ليس يغيب ويقال يبدوا لهم انوار الوصف فتخافون ان يحن عليهم ليالى الفرقة قيل ما بخلوا فرحة الوصاف من ان يعقبه ترجة الفراق كما قيل

اى يوم سررتنى بوصال لم ترعنى بليلة بصدوده

وقال الاستاد فى قوله وينشئ السحاب الثقال اذا انشيت السحابة فى السماء اظلم فى الوقت الجو لكن يعقبه بعد ذلك ضحك الرياض وما لم يبك السحاب لا يضحك الرياض من قبل

وما تم فى السماء يبكى والارض من تحتها عروس

كذلك تنشئ فى القلب سحابة الطلب فيضحك طلب تردد الخواطر ثم يلوح وجه التحقيق فيضحك الروح بفنون انوار الانس وصنوف ازهار القرب وقال فى قوله ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته قد يكون فى القلب حنين وانين وزفير وشهيق والملائكة اذا حصل لهم على قلوب المريدين خصوصا اطلاع يبكون وما لاجلهم لا سيما اذا لواحد منهم فترة والفترات فى هذه الطريقة الصواعق التى يصبب بها من يشاء وما قيل ما كان اوليت من وصلنا الا سراجا لاح ثم انطفى.