التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ
٣٨
-الرعد

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } وصف سبحانه تمكين نبيه صلى الله عليه وسلم فى رسالته كما وصف الرسل بالتمكين حيث لا يغيره صفات البشرية عن اسرار ما وجد من الله من حقائق القربة والمحبة بل الازواج والذرية كانت له عليه الصلاة والسلام معينة فى بحر سكره ولولا تسعة ابحر نسوته متعلقة من تحت سفينة نبوته فى بحار محبته ومعرفته لطارت تلك السفينة بصرصر رياح الازل فى هواء الابد ولبقى الحدثان بلا عروس الرحمان ولم يظفر احد لحقائق الايمان الا ترى كيف قال عليه السلام من راس سكره كلمينى يا حميراى وذلك لان الله اراد بقاءه بين الخلق ليرحمهم ويتجاوز عن سياتهم ولا يعذبهم ببركته قال الله وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم واعلم الجهال بهذه الآية انه اذا شرّف وليا او صديقا بولايته ومعرفته لم يضربه مباشرة احكام البشرية من الاهل والولد ولم يكن بسط الدنيا له قد حافى ولايته قال محمد بن الفضل جعلنا لهم ازواجا وذرية فلم يشغلهم ذلك عن القيام باداء الرسالة ونصيحة الامة واظهار شرائع الدين ويقال ان من اشتغل بالله فكثرة العيال وتراكم الاشتغال لا يؤثر فى حاله ولا يضره ذلك من وجه ثم بين سبحانه ان آيته ومعجزته وكرامته خارج عن تصرف الخلق وتعللهم وان كان نبيا او صديقا او ملكا بقوله { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } حسم اطماع المريدين عن طلب الكرامات بالمجاهدات ومنعهم من التماسها عن المشائخ ثم بين سبحانه ان اوان ذلك باجل معلوم فى وقت معروف بقوله { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } لكل مقام ومرتبة من مراتب العارفين لها زمان عند الله سبحانه لا ينالها احد قبل بلوغه الى ذلك الوقت والا بعد ان يكون مصطفًى فى الازل بالدرجات والكرامات الا ترى الى قوله سبحانه ولما بلغ اشده اتيناه حكما وعلما وايضا لكلك كشف من صفاته وذاته وقت فى مراد الله من اوليائه وذلك الكشف من العيون الصفات والذات لا يكون للعارف الا ويكون فى قلبه شان محوصفة من البشرية واثبات من العبودية وزيادة نور فى ايمانه وعرفانه بالربوبية وايضا لكلك مقدر فى الازل فى قضية مراد الله من الربوبية والعبودية والنعمة و البلية وقت معلوم فى علم الله لا ياتى الا فى وقته قال جعفر الصادق فى قوله لكل اجل كتاب للردية وقت وقال ابن عطا لكل علم بيان ولكل لسان عبارة ولكل عبارة طريقة ولكل طريقة اهل فمن لم يميز بين هذه الاحوال فليس له ان يتكلم بالمعارف والحقائق وعلم هذه الطائفة ومفهوم الاشارة اخبار الحق عن الصفتين الازليين وهما الارادة والعلم اى ارادة فى انفاذ القضاء والقدر علم فى ذاته فى كيفية وقوع ما اراد وقوعه من امور الربوبية فالكتاب علم ذاته يثبت ارادته فى علمه ما يشاء يمحو ما يشاء من القضا والقدر فبقى الكتاب كما كان فى الازل وبقيت الارادة كما كانت فى الازل ويتغير احكام المقضيات واملقدورات للعباد بالعلم والارادات بقوله { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } يمحوا بارادته القديمة من نفوس المريدين صفات البشرية ويثبت فى قلوبهم صفات الروحانية ويمحوا من قلوب المحبين معارضة الامتحان ويثبت فى ارواحهم حقيقة نور الايقان ويمحوا من اسرار العارفين اوصاف العبودية ويثبت فيها اوصاف الربوبية وايضا يمحوا عن الواح العقول صورة الافكار ويثبت فيها نور الاذكار ويمحوا عن اوراق القلوب علوم الحدثان ويثبت فيها لدنيات علم العرفان وايضا ويمحوا عن ارواح الصديقين اعلام المرسومات المكتسبات ويثبت فيها نوادر الالهاميات فى حقائق المراقبات وايضا يمحوا عن عيون العقول شواهد الايات ويريها انوار الصفات وايضا يخفى فى القلوب آثار الصفات ويبدئ لعيونها انوار الذات وايضا يمحوا بفضله خواطر الوسواسية والهواجسية عن قلوب الخاصة ويثبت فيها خواطر حقائق المعرفة واذا كان اسرار اهل التوحيد فى بحر التجريد بنعت التفريد سائحة فيغرقها الحق فى بحار نكران القدم تارة بتحيرها وفنائها ويغرقها فى بحار معرفة الازلية ببقائها مع الحق ومشاهدته فالفناء حق القدم يغلب على البقاء والبقاء حق الابد فيغلب على الفناء وذلك من بدء نور الذات فى الصفات وبدء نور الصفات فى الذات لتلك الاسرار والصفات والذات اصل تلك الغرائب والعجائب بقوله { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } ام كتاب المقدورات فى الافعال والصفات وام كتاب الصفات والذات لان الكل منه بدأو اليه يعود فما كان فى كتاب الافعال من القدريات بمحوه ويثبته وما كان فى الذات والصفات منزه عن المحو والاثبات فكل متبدل فمن ام الكتاب يتبدل من المقدورات وكل محو ينمحى فمن ام الكتاب ينمحى قال الواسطى منهم من جذبهم الحق ومحاهم عن نفوسهم بنفسه فقال يمحوا الله ما يشاء ويثبت فمن فنى عن الحق بالحق اقيام الحق بالحق فنى عن الربوبية فضلا عن العبودية وقيل يمحوا الله ما يشاء من شواهده حتى لا يكون على سره غريبه ويثبت من يشاء فى ظلمات شاهده حتى يكون غائبا ابدا عن ربه وقال ابن عطا يمحوا الله ما يشاء عن رسوم الشواهد والاعراض وكل ما يورد على سرة من عظمته وحرمته وهيبته ولذعات انواره فمن اثبته فقد احضره ومن حماه فقد غيبه والحاضر مرجوعه لا يعدوه والغائب لا مرجوع له يعدوه او لا يعدوه قال الواسطى يمحوهم عن شاهد الحق ويثبتهم فى شواهدهم ويمحوهم عن شواهدهم ويثبتهم فى شواهد الحق يمحوا اسم نفوسهم عن نفوسهم ويثبتهم برسمه قال ذو النون العامة فى قبض العبودية الى ابد الابد ومنهم من هو ارفع منهم درجة غلبت عليهم مشاهدة الربوبية ومنهم من هو ارفع منهم درجة جذبهم الحق ومحاهم عن نفوسهم واثبتهم عنده لذلك قال يمحوا الله ما يشاء ويثبت وقال سهل يمحوا الله ما يشاء ويثبت الاسباب وعنده ام الكتاب القضاء المبرم الذى لا زيادة فيه ولا نقصان وقال ابن عطا يمحوا الله اوصافهم ويثبت باسرارهم لانها موضع المشاهدة وقال الشبلى يمحوا ما يشاء من شهود العبودية واوصافها ويثبت ما يشاء من شهود الربوبية ودلائلها وقال بعضهم يمحوا الله ما يشاء يكشف عن قلوب اهل محبته احزان الشوق اليه ويثبت بتجليه لها السرور والفرح قال جعفر الكتاب الذى قدر فيه الشقاوة والسعادة لا يزاد فيه ولا ينقص وما يبدل القول لدى ويقال يمحوا العارفين بكشف جلاله ويثبتهم فى وقت آخر بلطف جماله وقال الاستاذ المشية لا يتعلق الا بالحدوث والمحو والاثبات لا يكون الا من اوصاف الحدوث وصفات ذات الحق سبحانه من كلامه وعلمه لا تدخل تحت المحو والاثبات وانما يكون المحو والاثبات من صفات فعله وقيل يمحوا الله عن قلوب مريديه همم الارادات ويرتقى بهم الى اعلى الدرجات قال الواسطى يمحوا ما يشاء عن رسمه ما اثبته فى وسمه ويمحوا ما يشاء عن وسمه وهم الاولياء خاصة.