التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً
١٢
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً
١٣
-الإسراء

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَجَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلْلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } الليل والنهار ههنا مقام المجاهدة والمشاهدة فالمجاهدة ليل العارفين والمشاهدة نهار الصديقين ففى مقام المشاهدة كشف شمس الذات آية نهار المشاهدة وكشف قمر الصفات آية ليل المجاهدة فاهل المشاهدة فى رؤية شموس الذات واهل المجاهدة من الصادقين فى رؤية اقمار الصفات لانهم فى ضعف الاحوال من حمل وارد العظمة ولولا غيبة انوار الذات عنهم لهلكوا فى اوّل سطواتها ولو كان الاتيان احدهما كالاخر لهلك العارفون لبقائهم فى مشاهدة الذات صرفا على السرمدية ولو يصلوا الى معادن الصفات كما قال سبحانه { لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } وفضل الحق ههنا معرفة الصفات والعيش فى مشاهدة الذات والوقوف على مقامات الدنو واوقات الحالات بقوله سبحانه { وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } اى لتعلموا فى محاق اقمار الكواشف وزيادة كمالها بفيض نور الاوليّة والآخروية اعداد زمان الوصال والفراق وحساب المقامات والحالات وتقعوا فى دور ادهار الازال والاباد وتعرفوا منازل سيارات الارواح وحركاتها فى ابراج افلاك الوحدانية والفردانية بقوله { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } وههنا منازل انقطعت الاوهام فى مداركها وذهب الحسبان عند شوارق انوارها وانصرمت العقول عن تقلب اسرارها وفنيت القلوب فى حقائق انوارها كان لسان القدر ينطق بنطق الابد على لسان عندليب سكران موردات ورد العشق سطاح فارس روزبهان البقلى هذه الاسرار المباركة الممتنعة عرائسها بحجب الغيرة عن غيره او غير مثله واستشهد بيت النورى فى هذا المعنى

لا زالت انزل من ودادك منزلاً يتحير الالباب عند نزوله

قال بعضهم جعلنا الليل و النهار ظرفين لاقامة العبودية جعل احدهما خلفا عن الآخر وخليفة عنه فمن انفق اوقاته فى اناء ليله بما هو مستعبد به فهو فى زمرة الموفقين ومن امهل ساعاته ولم يطالب نفسه ولم يراع اوقاته مع كل خاطر او نفس فانه من المخذولين قال الله لتبتغوا فضلا من ربكم فى تصحيح العبودية واخلاص العمل والمعونة على ذلك من الله عز وجل ثم ان الله سبحانه اخبر عن سوابق احوال الواردين الى مناهل العبودية والربوبية بقوله { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } اختار بعضا فى الازل بالارادات واختار بعضا بالمعاملات وبعضا بالحالات وبعضا بالمشاهدات وبعضا بالمكاشفات وبعضا بالمعرفة وبعضا بالمحبة وبعضا بالشوق وبعضا بالرغائب وبعضا بالعزائم وفى كل مقام طار احد من السالكين وسمته الزمته نعوت الربوبية على عنق العبودية يخرج من مربع عهد الازل بهذه السماع ويخرج الى معاهد الابد لا يتغير بتلون الملون ولا بظهور الآيات والبرهان ولا بطوارق الطاعات والعصيان قال تعالى { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } فما بدت للارواح من معالم الرد والقبول بيد ولصاحبه غدا فى الحضرة فيرى اوله موافقا للاخر والاخر للاول لا ينقص السوابق من الاواخر ولا يرتد الاواخر على السوابق.