التفاسير

< >
عرض

مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً
١٨
وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً
١٩
كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً
٢٠
ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
٢١
-الإسراء

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } من مال الى الدنيا اراد حظ الاولى كانه استعجل لطلب العاجلة عن الاجلة من خسة طبعه ودناءة همته وذلك من قلة معرفته بزوالها وبلائها والعذاب والحساب من اجلها فعجل الله بعض مراده له فى الدنيا لحرمانه عن الاخرة والدرجات العلى ولم يكن مظفرا بمراده ايضا من ماموله لان الله سبحانه قال عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد قال الواسطى فى ترك الدنيا مشاهدة الاخرة وفى مشاهدة الاخرة رفض الدنيا كما ان فى مشاهدة التابيد زوال عزة النفس وفى مطالعة صفات الحق سقوط صفات العبد ثم وصف مريد الآخرة بعد تركه الدنيا ولذاتها بان سعيه مشكور وعمله مبرور بقوله { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } جعل ههنا شرطين فى ارادة الاخرة شرط السعى وشرط الايمان اى ينبغى له ان يكون سعيه على نعت مشاهدة الاخرة ورؤية الغيب واليقين الصادق حتى يكون سعيه مقرونا برؤية ما وعد الله له من الدّرجات الرفيعة والمقامات الشريفة حتى يكون عمله وسعيه على وصف حظ القلب و الروح وايضا معنى قوله وهو مؤمن عارف بالله وبصفاته عالم بعمله لله لا يعمل الا بالعلم ولا يسعى الا بالشوق الى الله والى جواره و البقاء فى المشاهدته والسعى المشكور ان ينكشف لصاحبه مشاهدة الحق فى سعيه نقدا فى الدنيا فان تاثير القبول ظهور اوائل الكرامات وبروز لطائف انوار المشاهدات قال القاسم شرط الارادة بحسن السعاية لان لكل طائفة ارادة الآخرة وسعيها وهو الذى يسعى على الاستقامة وما يوجبه عليه الشريعة وشرط السعى بالاستقامة وشرط الاستقامة بالايمان لان كل من اراد الاخرة وقصد قصدها فليستقم عليها ربّ قاصد مستقيم فى الظاهر خلعة الايمان عارية عنده وكم من ساع حسن السعى غير مقبول فيه سعيه وقال بعضهم السعى فى الدنيا بالابدان والسعى الى الاخرة بالقلوب والسعى الى الله بالهمم وقال ابو حفص السعى المشكور ما لم يكن مشوبا برياء ولا سمعة ولا بوية نفس ولا طلب ثواب بل يكون خالصا لوجهه لا يشاركه فى ذلك شئ سواه فذلك السعى المشكور ثم بين ان ساعى الدنيا وساعى الآخرة كل واحد على جزاء سعيه بقدر همته بقوله { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } وصف عدله سبحانه انّه لا يخيب رجاء كل مؤمل لان عطاه غير ممنوع فجازى الكل بقدر الهمم فعطاء الدنيا حظ النفوس وعطاء الآخرة حظ القلوب قال على بن موسى الرضا عن ابيه عن جعفر بن محمد عليهم السّلام عطايا الدنيا غفلة من الله وعطايا الآخرة القربة من الله ثم بين سبحانه تفاضل الفريقين بقوله { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } افضل العابدين بعضهم على بعض فى الدنيا بالطاعات وفضل العارفين بعضهم على بعض فى الدنيا بالمعارف والمشاهدات فالعباد فى الاخرة فى درجات الجنان متفاوتون والعارفون فى درجات وصال الرحمن متفاوتون قال تعالى { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } صفو الوصال التفات بلا عتاب وحصول المراد بلا حساب قال ابن عطا من تولاه الله بضرب من العناية وتوالت اعماله كلها لله فله فضل الولاية على من دونه قال الله انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض فالفضيلة تقع فيما بين الخلق والخلق لا تكبرعنده الطاعات ولا تغضبه المخالفات قال الواسطى فضلنا بعضهم على بعض بالمعرفة والاخلاص والتوكل وقال فى قوله وللاخرة اكبر درجات بدرجات السوابق يصل العبد الى الدرجات العلى واعظم درجة فى الاخرة التخطى الى بساط القرب ومشاهدة اعلى واجل.