التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
١٠١
لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ
١٠٢
لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
١٠٣
-الأنبياء

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } وصف الله اهل الولاية والنبوة والرسالة الذين اصطفاهم فى الازل بحسن عنايته ومعرفة جلاله وجماله ومشاهدة كماله ووصاله ووقاهم من عذاب الفرقة والحرمان عن المشاهدة بقوله { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا } فى جنان الوصلة لا يحسون شواهد اهل العلة من البرية فظاهر حسن العناية السابقة منهم اربعة اشياء الانفراد من الكونين والرضى بلقاء الله عن الدارين وامضاء العيش مع الله بالحرمة والادب وظهور انوار قدرة الله منهم بالفراسات الصادقة والكرامات الظاهرة وباطن حسن العناية السابقة من الله فى الازل لهم اربعة اشياء المواجيد الساطعة وانفتاح العلوم الغيبية والمكاشفات القائمة والمعارف الكاملة وفى كل موضع ظهرت هذه الاشياء بالظاهر والباطن من صاحبها مشهور فى الأفاق بسمات الصديقين وعلامات المقربين وخلافه المرسلين قال الحسن بن الفضل سبقت العناية وظهر الولاية وقال الجنيد من سبق من الله اليه احسان فانه لا يزال ينتقل فى ميادين المحسنين الى ان يبلغ الى اعلى مراتب اهل الاحسان بقوله للذين احسنوا الحسنى زيادة وقال الواسطى اولئك قوم هداهم الله فهداهم بذاته وقدسهم بصفاته فسقط عنهم الشواهد والاعراض ومطالعات الاعواض فلا لهم اشارة فى سرايرهم ولا عبارة عن اماكنهم وحجبهم عن الاستقرار فى المواطن فلا لهم هم بانفسهم ولا هم حاضرون فى حضورهم بحضورهم قبل الحسنى العناية السابقة وهى خمسة اشياء العناية والاختيار والهداية والعطاء والتوفيق فى العناية وقعت الكفاية وبالاختيار وقعت الرعاية وبالهداية وقعت الولاية وبالعطاء وقعت الخلة بالتوفيق وقعت الاستقامة والحسنى هذه السوابق وقال الواسطى فى قوله لا يسمعون حسيسها هم اهل الحقائق لا يحسون بضجيج اهل الدنيا لانهم مصدرون عنها بما ورد على سرائرهم من وهج الحقائق فهم مترددون فى منازلهم لا يقطعهم عن ذلك فاطع لانفاسهم فى بحور الحقيقة ثم وصفهم الله بالامن الدائم والحسن القائم بقوله لا يحزنهم الفزع الاكبر كيف يلحقهم الفزع وهم فى مشاهدة جلال الحق مدهوشين والهين واصلين الى مناهم غير محجوبين عنه بشئ من الحدثان والحق سبحانه يكون بمرادهم يفعل كما يريدون قال تعالى { وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } اشتهاؤهم فى جمال الحق ودوام المشاهدة بنعت الوصلة على السرمدية وهذا اشتهاء قلوبهم واشتهاء عقولهم كشف العلوم من معدن الصفات واشتهاء ارواحهم الاستغراق فى بحار الذات واشتهاء اسرارهم الفناء بنعت البقاء والبقاء بنعت الفناء واشتهاء نفوسهم اللذة والحلاوة والخطاب الحسن والجمال ------القدم فى لباس الحسن قال ابن عطا للقلب شهوة وللارواح شهوة وللنفوس شهوة وقد يجمع الله لهم فى الجنة جميع ذلك فشهوة الارواح القرب وشهوة القلوب المشاهدة الروية وشهوة النفوس الالتذاذ بالراحة قال الجنيد فى قوله اولئك عنها مبعدون اجتاذوا عليها ولم يحسو بها وما عرفوها لصحة قصدهم الى اللقاء وللنزول فى دار البقاء وقال الصادق كيف يسمعون حسيسها والنار تخمد لمطالعتهم وتلاشى بزويتهم قال النبى صلى الله عليه وسلم "يقول النار للمومن يوم القيامة جزيا مومن فقد اطفا نورك لهبى" قيل فى قوله وهم فيما اشتهت انفسهم النفوس ثلثة اشياء ارواح واشباح وقلوب فشهوة الروح الوصلة وشهوة القلوب القاء وشهوة النفوس الاكل والشرب والزينة وكل مبذول له بقدر همته وحظه يوصل الى مناه وشروق فيها خالدا مخلدا ابدا ثم وصف الله سبحانه جلال اهل قربه بحيث يحنيهم الملائكة السفرة الكرام البردة بدخوله حجال الوصال وشهودهم مشاهدة الجمال بقوله { وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } اى هذا يوم الوصلة بلا فرقة وهذا يوم الموانسة بلا وحشة وهذا يوم الراحة بلا محنة وهذا يوم العافية بلا بلية وهذا يوم كشف النقاب بلا حجاب وهذا يوم الخطاب بلا عتاب قيل ميعاد اهل الجنة فيها الوصلة وميعاد اهل النار فيها القطيعة.