التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ
٣٥
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
٣٦
رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ
٣٧
لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٣٨
وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٣٩
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ
٤٠
-النور

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ } ان الله سبحانه اوجد الكون من العرش الى الثرى بالكاف والنون وكان بين الكاف والنون مظلما بظلمة العدم مجوبا عن نور القدم لانه معلولة بعلة الحدوث ولم ينكشف المسكون هناك نور الكاف والنون فبقى كمشكوة بلا سراج فجعل الكاف قنديلا والنون فتيله بنور الصفة فاضاء الكون بنور الصفة ثم وضع القنديل فى زجاجة فعله العلم وضع زجاجة الفعل فى الكون ثم نور الكون بعد تنويره بنور الصفات بانوار الذات حتى يكون الكون كمشكوة منورة بمصباح الصفة التى معدنها الذات فاضاء نور الذات فى الصفة واضاء نور الصفة فى نور فعله الخاص واضاء نور فعله الخاص فى قنديل الكاف والنون اضاء نور الكاف والنون زجاجة العلم العامل واضاء نور فعله العلم فى مشكوة الكون فاذا رايت المشكوة رايت نور الكاف والنون واذا رايت نور الكاف والنون رايت نور فعله الخاص الذى هو غنى بقوله { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ } مباركة اذ هى اصلها مصدر الصفة التى اصلها الذات المنزه عن البداية والنهاية { لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } لا من شرف ظهور الكون من العدم ولا من غرب عدم الكون عند القدم { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ } قيل ان يصل اليه نور الصفات لانها صدرت من الصفات فرسل نور الصفات الى نور الفعل الخاص وصار نورا كقوله { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ } واذا رايت نور هذه الشجرة رايت نور الصفة واذا رايت نور الصفة رايت نور الذات واذا رايت الذات رايت عين العين واذا رايت الصفات رايت العين واذا رايت الفعل رايت عين الجمع واذا رايت عين الجمع رايت الكوم مراة الفعل يظهر منها انوار الذات والصفات لمن له استعداد النظر الى مشاهدة القدم بنعت الاصطفائية الازلية وذلك قوله { يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ } حتى تعرف بهذا المثال ظهور نعوت القدم فى مراة الكون لاهل الكرم من العارفين قال الله { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ } وهم باختصاصهم عليهم بقوله { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ } عليم بكل مثل وعبر وبرهان وسلطان وايضا فيه اشارة اخرى فى قوله الله نور السماوات والارض اراد السماوات والارض صورة المؤمن راسه السماوات وبدنه الارض وهو بجلاله وقدر نور هذه السماوات والارض اذ زيّن الراس بنور السمع والبصر والشم والذوق والبيان فى اللسان فنور العين كنور الشمس والشمس ونور الاذنين كنور الزهرة والمشترى ونور الفم والانف كنور المريخ وزحل ونور اللسان كنور العطارد وهذه السيارات النيرات ترى فى بروج الراس ونور ارض البدن الجوارح والاعضاء والعضلات واللحم والدم والثمرات عظامها الجبال انور الله هذه السماوات والارضين منورة بنور فعله وفعله منور بنور اسمائه واسماؤه منورة بنور صفاته ونور صفاته منور بنور ذاته وذاته نور الكل اذا الكل قائم بذاته فنور ذاته ونور صفاته لا يضافى الانوار لان نوره منزه عن المشابهة بالانوار فمن نوره الشجرة والثمرة ومن نوره الصدف والجوهر ومن نوره الذهب والفضة ومن نوره الدر والياقوت ومن نوره العرش والكرسى والجنة وما فيها من نوره السماوات والارض من نوره الارواح والاشباح ومن نوره العقل والقلوب ومن نوره تنورت هذه النيرات واضاءت هذه الأيات نور قدرته زينها التركيب ونور علمه نورها بالانتظام ونور سمعه نورها بالقيام ونور بصره زينها بالوان العجائب ونور ارادته زينها بالارتسام والبقاء ونور كلامه زينها بالنماء والبركات ونور حيوته زينها بالحياة ونور قدمه زينها بغرايب الالطاف ونور رقائه زينها بالارواح الفعلية والقدسية الفطرية ونور ذاته زينها بالوجود سبحانه المنزه بجلاله اوجد الكون بنور القدم وانوره عن ظلمة العدم مثل نوره كمشكوة فيها مصباح صدر العارف كوة فعله ومشكوة امره وروح العارف قنديل قدرته وفتيلة قنديله عقله العزيزى وفطرته الفعلى واستعداده الروحانى ودهنه المعرفة وقلبه زجاجة المشبه ---- انوار الصفة القديمة للمنزهة عن مباشرة الاكوان والحدثان والحلول فى الزمان والمكان اسرج بمصباح صفاته قنديل الروح وفتيلة العقل وزاد نور المصباح من نور الذات اذا الذات والصفات مكشوفان لها فى جميع الاوقات بنعت السرمدية ولو امتنع انوارها عنها انطفى مصباحها ولم يكن ناظرة الغيب اسدَّ المصباح بدهن معرفته ذلك وتلك الشجرة المباركة منابتها العقل الملكوتى ---- الحكمية والجبروتية وهى فى جميع الانفاس على مقابلة شمس الالوهية لا يقع عليها ظلال غدوة شرق القدم ولا ظلال عشية غرب الفناء فى ارض مشرق المشاهدة منورة بجمال شمس القدم والبقاء لذلك نفى علة الحجاب بالحدثان بقوله لا شرقية ولا غربية وتلك المعرفة التى هى الشجرة المباركة يكاد وهن نورها يضئ بنور الفعل قيل او يصلى اليها نور الصفة قال تعالى يكاد زيتها يضئ بنور الله وببصر الله بالله لا بغير الله قال الله تعالى نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء يضرب مثل نور صفاته بالمصباح وشبه الروح بالقنديل وشبه القلب المشكاة دون الروح فى القلب والنور فى الروح والمعرفة دهن قنديل الروح وتلك الكوة هى القلب والقلب فى الصدر لا منفذ اليها الرياح القهر والشقاوة اذا القلب فى اصبع الصفة يقلبها كيف يشاء والروح فى يمين القدرة قال عليه السّلام القلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وقال الارواح فى يمين الرحمن فكيف ينطفى هذا المصباح الذرة نوره من نور الازل وضياؤه من ضياء الابد ثم وصف الروح وشبه الزجاجة قنديل فى مشكوة القلب بالكوكب الدرى الذى قال تعالى كانها درى اذ هى انقدحت من زنود الجلال والجمال واعلما ان ذلك المصباح فى تلك الزجاجة لا ينطفى ابدا لان المصباح اذا كان فى تحت زجاجة لا تؤثر فيه الرياح لعواصف اذ لا سبيل الى نور المشاهدة فى نور المعرفة والعقل ولا يزول بتغائر الحدثان ولا بالزلة والعصيان فهذان النور ينفذان فى روازن ابراج الدماغ فبنّور ان تلك السيارات المذكورة ويتلالان من مرأة سماء وجه العارف الا ترى كيف قال ابو يزيد قدس الله روحه يظهر نور الصمدية من بشرة وجه العارف ومن ها هنا قال الحكماء الاول صياحة الوجود من عكس الروح النطاقة هذا يا فهم مما ساخ لقلبى فى اشارة الأية ما يوافق اقوال ايمتى وشيوخ قال ابن عطا زين الله السماوات اثنى عشر برجا وهو الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت وزين قلوب المؤمنين باثنى عشر خصلة الذهن والانتباه والشرح والعقل والمعرفة واليقين والفهم والبصيرة وحياة القلب والرجاء والخوف والحياء فما دامت هذه البروج قائمة يكون العالم على النظام والسعة وكذلك ما دامت هذه الخصال فى قلب العارف يكون فيه نور المعلق وحلاوة العبادة وقال ابو مسعود مثل نور المؤمن كمشكوة فى كوة وهى التى لا منف لها اشار الى صدر المؤمن فيها مصباح وهو نور قلب المؤمن والمصباح فى زجاجة والزجاجة سرّ المؤمن قال النبى صلى الله عليه وسلم "ان الله اواينا فاحبها اليه ما صفا ورق لانها كوكب درى" قال ابن عطا لا شرقية ولا غربية لا قرب فيها ولا بعد فيها فالله من البعد قريب من القرب بعيد قال الواسطى لا دنيائية ولا أخرة جذبها الله الى قربه واكرمها بضيائها يكاد زيتها يضئ لك ضياء وروحها يتوقد ولو لم تمسه اى ولو لم يدعه نعى لا يسمع كتابا نور على نور نور الهداية وافق نور الروح يهدى الله لنوره من يشاء اجتهاد المجتهدين وطلب الطالبين وهرب الهاربين قال الجنيد لا هى مائلة الى الدنيا ولا راغبة فى الأخرة ولكنها فانية الحظ من الاكوان قال ابو على الجورجانى فى قوله الله نور السماوات والارض بدأ بالنور والنور والبيان فالله نور السماوات ومن نور اليقين سراج يضئ فى قلب المؤمن كما قال الله مثل نوره يضئ فى قلب المؤمن لان قلب المؤمن منور بالايمان فنور قلبه من نور الله بيانا مبينا فهو ينظر بنور ربه الى جميع ملكه فيرى فيها بدائع صنعه ويرى بنور المعرفة قدرة الله وسلطانه وامره ووملكه فيفتح له ذلك النور علم ما فى السماوات والسبع وما فى الارضين علما يقينا فيخضع له الملك ومن نبه يجب به لك شيء على ما يجب ويهوى مثل ذلك النور كشكوة فيها مصباح المصباح فى زجاجة نفس المؤمن بيت وقلبه مثل قنديل ومعرفته مثل السراج وفاه مثل الكوة ولسانه مثل باب الكوة والقنديل معلق باب الكوة اذا فتح اللسان بما فى القلب من الذكر استضاء المصباح من كونه الى العرش فالزجاجة هى التوفيق وفتيلتها من الزهد ودهنها من الرضا وعلائقها من العقل وهو قوله نور على نور وقال جعفر بن محمد اناء تختلف اولها نور حفظا لقلب ثم نور الخوف ثم نور الرجاء ثم نور الحب ثم نور التفكير ثم نور اليقين ثم نور التذكر ثم النظر بنور العلم ثم نور الحياء ثم نور حلاوة الايمان ثم نور الاسلام ثم نور الاحسان ثم نور السماء ثم نور الفضل ثم نور الألاء ثم نور العطف ثم نور القلب ثم نور الاحاطة ثم نور الهيبة ثم نور الجيرة ثم نور الحياة ثم نور الانس ثم نور الاستقامة ثم نور الاستكانة ثم نرو الاطمانينة ثم نور العظمة ثم نور الجلال ثم نور القدوة ثم نور الحول ثم نور القوة ثم نور الالوهية ثم نور الوحدانية ثم نور الفردانية ثم نور الهوية والكل واحد من هذه الانوار اهل وله حال ومحل كلها من انوار الحق التى ذكر الله فى قوله الله نور السماوات والارض والكل عبد من عبيده مشرب من نور هذه الانوار وربما كان حظه من نورين ومن ثلث ولا يتم هذه الانوار لاحد الا للمصطفى صلى الله عليه وسلم فانه القائم مع الله بشروط تصحيح العبودية والمحبة فهو نور وهو من ربه على نور قال بعضهم نور السماوات والملائكة ونور الارض الاولياء وقيل فى قوله نور على نور نور المشاهدة يغلب نور المتابعة وقيل نور اجمع يعلوا انوار التفرقة وقيل نور الروح يهدى الى السر شعاع الفردانية ونور السر يهدى الى القلب ضياء الوحدانية ونور القلب يهدى الى الصدر حقيقة الايمان ونور السر يهدى الى الصدر أداب الاسلام فاذا جاء نور الحقيقة غلب هذه الانوار وافرد العارف عنها وافناه فيها وحصله فى محل البقاء مع الحق متسما بسمته مترسما برسمه لا يكون للحدث عليها اثر بحال لان محل انوار الاحوال هو القيام معها ورؤيتها والسكون اليها فاذا جاء نور الحقيقة افناه عن الحظوظ والمشاهدات واذا غلب نور الحق خمدت الانوار لها وصارت الاحوال دهشا فى فناء وفناء فى دهش وهو بحصول اسم ورسم وذهاب الحقيقة فى عين الحق يهدى الله لنوره من يشاء يخص الله بهذه الانوار من سبقت له الخشية فيه بالخصوصية ويرب الله الامثال للناس قال العقلاء الالباء الذين خُصُّوا بالفهم عنه والرجوع اليه لعلكم تتفكرون فى ان الذى خصهم بهذه الانوار والمراتب من غير سابقة لا يتقرب اليه الا بفضله وكرمه دون عد التسبيح والصلاة عليه وقال الحسين فى قول الله نور السماوات والارض منور قلوبكم حتى عرفتم ووجدتم وختم بقوله يهدى الله لنوره من يشاء فكان اول ابتدائه الله نور السماوات والارض اى مبتدى النعم ومنبعها والأخر خاتمته فالاول فضل والأخر مشية فهو المجتبى لاوليائه الهادى لاصفيائه قال الحسين الله نور السماوات والارض هو نور النور يهدى من يشاء بنوره الى قدرته وبقدرته الى غيبة وبغيبه الى قدمه وبقدمه الى ازله وابده وبازله وابده الى وحدانيته لا اله الا هو الشهود شانه بقدرته تقدس وتعالى يزيد من يشاء علما بتوحيده ووحدانيته وتنزيهه واجلال مقام وتعظمي ربوبيته وقال الواسطى ان الله خلق الارواح قبل الاجساد نورها بصفاته وخاطبها بذاته فاستضاءت واستنارات بنور قدسه فاخبر عنها بقوله الله نور السماوات والارض لانه منور الارواح بكمال نوره قال الخراز من خلقه من نوره ثم احرته بنوره ثم اعاده فى اكبر كبريائه من نور اذا تجلى له لم يحترق لان يكون هو نور امن نوره على نوره فى نوره قال الله تعالى نور على نور قال الحسين فى الراس نور الوحى وفى العينين نور المناجاة وفى السمع نور اليقين وفى اللسان نور البيان وفى الصدر نور الايمان وفى الطبايع نور التسبيح فاذا التهب شئ من هذه الانوار غلب على النور الاخر فادخله فى سلطانه فاذا سكن عاد سلطان ذلك النور او----- مما كان فاذا التهب جميعا صار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء قال الاستاذ فى قوله لا شرقية ولا غربية كذلك همهم ولا تسكن شرقيا ولا غربية ولا علويا ولا سفليا ولا جنيا ولا انسيا ولا عرشيا ولا كرسيا سطحت عن الاكوان ولم تجد له سبيلا الى الحقيقة لان الحق منزه عن اللحوق والدرك فبقيت عن الخلق منفصلة وبالحق غير متصلة ويقال نور المطالبة يحصل فى الغلب بديا يحمل صاحبه على المحاسبة فاذا نظر فى ديوانه ما اسلفه من عصيانه يحصل نور المعاينة فيعود على نفسه للايمة ويتجرح كاسات ندمه فيرتقى عن هذا باستدامة قصده والتنقى عما كان عليه فى اوقات فترته فاذا استقام فيه كوشف بنور المراقبة فيعلم دائما ان سبحانه مطلع عليه وبعد هذا نورا المحاصرة وهو لوايح تبدو فى السرائر ثم بعد ذلك نور المكاشفة وذلك يتجلى الصفات ثم بعده انوار المشاهدة فيصير ليله نهار او نجومه اقمار وأقماره بدورا وبدوره شمس اليس فى سماء اسرارهم سحاب ولا فى هوائها ضباب ثم بعد هذا انوار التوحيد عند ذلك يتحقق التجريد بخصائص التفريد ثم لا يتناوله عبادة ولا يدركه اشارة فى البيان عند ذلك خرس والشواهد طمس وشهود الغير عند ذلك محال فعند ذلك اذا الشمس كورت واذا النجوم انكدرت واذا العشار عطلت واذا السماء انشقت واذا السماء انفطرت هذه كلها اقسام الكون وما من العدم لهم صار الى العدم القائم عنهم غيرهم والكائن عنهم سواهم جلت الامدية وعزت الصدمية وتقدست الديمومية وتنزهت الالوهية ثم بين سبحانه ان ذلك المصباح والمشكاة فى بيت صورة العبد -----وذلك البيت صدره يتنور بنور الله ونور قربه ليبصر سواكنه بنوره ما ينفتح فيه من انوار ملكوته وجبروته بقوله { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } ان يرفع همها الى مشاهدة الذات و صرف الصفات ولا ينزل على غيره من الأيات والكرامات والعقل يذكر اسم الله هناك والقلب يذكر وصفه والروح يذكر ذاته وصفاته تعالى وايضا ترفع الاسرار بنعت الاشتياق حوائج الوصال اليه بنعت المداناة والمناجاة وقال بعضهم ترفع لحوائج من القلوب وتشغل القلوب بالذكر فان النبى صلى الله عليه وسلم يقول حاكيا عن ربه من شغله ذكرى عن مسألتى اعطيته افضل ما اعطى السائلين ويقال القلوب بيوت المعرفة والارواح مشاهد المحبة والاسرار محال المشاهدة ثم وصف سبحانه اهل خالصة تلك البيوت بشهود الحضرة والمراقبة فى القربة بنعت التجريد عن غير المشاهدة بقوله { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } وصف الله العارفين الرجولية حين اقبلوا عليه بسرار وطاهرة عن الحدثان وبسيرهم فى صحارى الازل والاباد بالارواح القدسية والعقول الملكوتية بين سماع القهر وحيات الامتحان واساد الغيرة لا تشغلهم المستحسنات والمستقبحات عن بلوغهم الى معالى الدرجات فى رؤية الذات والصفات ومثالهم كالبحار لا تتغير بالجيف كذلك احوالهم تحرى عليهم احكام الكونين بنعت المباشرة والمعاملة ولا تتغير اسرارهم عن شهود الوصال والنظر الى الجمال قال ابن عطا هم خزئان الودائع ومواضع الاسرار قال النصر ابادى اسقط عنهم المكون ذكر المكونات فلا تشغلهم الاسباب عن المسبب بحال قال جعفر هم الرجال من بين الرجال على الحقيقة لان الله حفظ اسرارهم عن الجروع الى ما سواه وملاحظة غيره فلا تشغلهم تجارات الدنيا ونعمتها وزهراتها والاخرة وثوابها عن الله لانهم فى بساتين الانس ورضا الذكر قال الله لا تلهيهم تجارة ولا يبيع عن ذكر الله قال بعضهم اسقط الله اسم الرجولية عن العاملين الا من عامل الله على المشاهدة ولم يوثر عليه الاكوان فقال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله قال بعضهم من اسقط عن سره ذكر ما لم يكن فكان سمى رجل حقيقة ومن شغله عن ربه من ذلك شيء فليس هو من الرجال المتحققين ثم زاد سبحانه فى وصفهم بالخوف الدائم والرجل القائم من صرف القلوب والابصار من مشاهدة الجبار بقوله { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } يفزعون من يوم الشهود وحيث يتقلب القلوب عن مشاهدة صرف القدم فى الجنان والابصار فى النظر الى الجبر والغلمان والروح والريحان ايضا يخافون من مقلب القلوب فى انوار الصفات والابصار فى انوار الذات لئلا يقف فى منازل الشهود ومشاهد الحقيقة وينقطع عن السير فى الوهية الاولية السرمدية الابدية بل يطيعون ان يبقى بحسن المعرفة وكمال الادب فى زمان العبودية مع مشاهدة الابد بنعت الدنو ودنوا الدنو وكشف ما كان مكتوما عنهم بقوله { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } ذلك الرزق كشف جمال القدم بغير حجاب قال النصر أبادى النفوس فى التنقيل والقلوب فى التقليب وقال الحسين خلق الله القلوب والابصار على التقلي وجعل عليها اغطية وستور او اكنة واقفالا فتهتك الستور بالانوار وترفع الحجب الذكر وتفتح الافقال بالقلب وقال الحسين اذا علمت انه مقلب القلوب والابصار فيكم شغلك فى النظر الى افعاله فيك وتوفى الخلاف والغفلة ثم وصف سبحانه اهل العزة به الذين معولهم على الرسوم وما عملوا من المعاملات على رؤية النفس والخلق بقوله { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } اى ان الذين نسوا عهد الله الازلى الذى اوجب عليه فيه الاقبال عليه الكلية من الكون وباشروا صورة العمل رياء وسمعة شبه اعمالهم بسارب القيعان لانهم فى الرياء والشرك من اهل الخسران والحرمان فاذا احتاجوا الى جزاء الاعمال وهم فى حسبانه لم يجدوا فى الحضرة شيئا من وصول المراد حيث جازى الله اصفياءه باعمالهم التى وقعت على حسن القبول اذا كانت قيمتها من حسن اليقين والصدق والاخلاص ووجه الله عنده بنعت الاعراض عنه يجازيهم بالفرقة والانقطاع عن المامول وهكذا شان من رجع الى الخلق وسكن الى الاسباب من المسبب قال ابن عطا فى قوله يحسبه الظمان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا قلب ليس فيه شئ من انوار الله فقير بما فيه رجوعه الى الاسباب والفقير من يكون رجوعه الى غير الحق يحسب ان الرجوع الى غيره يغنى وهو كسراب يحسبه الظمان ماء حتى اذا جاءه لم يجد شيئا اذا تبين له ان الرجوع الى الاسباب شرك يظهر اذ ذاك له ان الرجوع الى الحق هو الايمان قال الله ووجد الله عنده اى وجد الطريق الهي وقال ايضا كل ما دون الله فهو فقير وكل قلب فيه محبة ما سوى الله فهو فقير وفقير عن الحق وعن معرفته ويعلم انه تاه قوم فى ميدان الجهد فتخلفوا عن واجبات الحق وظنوا انهم يصلون بجهدهم الى الله وما وصل احد اليه الا من سبق له من الله العناية والمجتهد فى مجاهدته كما قال الله عز وجل بحسبه الظمان الخ ثم بين سحبانه ان هؤلاء المحجوبين عن الله ---- فى ظلمات طبايعهم يصحبهم نور العناية فيبقى فى ظلمة معقولهم على ما عملوا لغير وجه الله بقوله { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } اى من لم يصحبه نور معرفة الله الذى من كشف مشاهدة الله فى بدور روحه الى منتهى سيره الى الله فمال له هناك من نور المعرفة بنور المشاهدة ونور الوصال والعارف الصادق فى مشاهدة الحق يحتاج الى الف الف نور فى كل لمحة من نور الازل والابد ينظر بها الى جمال القدم ويعرف بها طرق الصفات ويرثها عجائب الذات قال القاسم من لم يجعل الله له نورا فى وقت اقسمة فما له من نور فى وقت الخلقة.