التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً
٦١
وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
٦٢
وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً
٦٣
وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً
٦٤
وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً
٦٥
إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
٦٦
وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً
٦٧
-الفرقان

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } تقدس بذاته وجلاله عن ان يكون محلا للارواح والعقول والاسرار وجعل فى سماء ذات القدم لارواح العارفين واسرار الموحدين وعقول المقربين وقلوب الصديقين ابراجا من انوار صفاته لتسرى فيها بنعت المعرفة وطلب زوائد علوم الربوبية بنجم الاسرار وسيارات العقول وشموس الارواح واقمار القلوب الى ابد الأباد لا ينقطع سيرها فى سناء الصفات وانوار الذات لانها غير متناهية وايضا جعل فى ----- القلوب فى سائر القلوب بروج المقامات والحالات الشمس الروح واقمار العقل ونجوم الهمم والعزائم قال جعفر ان محمد سمى السّماء سماء ----والمقلب سماء لانه يسمو بالايمان والمعرفة بلا حدود النهاية كما ان المعروف لا حد له كذلك المعرفة لا حد لها وبروح السماء مجارى الشمس والقمر وهو الحمل والثور والجزاء والسرطان والاسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت وفى القلب بروج وهو برج الايمان والمعرفة والعقل واليقين والسلام والاحسان والتوكل والخوف والرجاء والمحبة والشوق والوله فهذه اثنا عشر برجا بها دوام صلاح القلب كمان ان الاثنى عشر برجا من الحمل والثور الى اخر العدد صلاح الدار الفانية ولعلها قال فى قوله وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا فى السماء سراج الشمس ونور القمر وفى القلب سراج الايمان والانوار بالوحدانية والفرداينة والصمدية وقمر المعرفة يشرق بانوار الازلية والابدية فيتلألأ نور معرفة وايمانه على لسانه بالذكر وعلى عينيه بالعبر وعلى جوارحه بالطاعة والخدمة وتلك الانوار من تمام اولية الله للعبد فى الاحوال كلها ثم بين سبحانه يخالف الليل والنهار لاعتبار العارفين وموعظة المريدين بقوله { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } جعل تعاقب ليالى الفترة وكشوف نهار المشاهدة لزوائد ذكر العارفين وشكر المستانسين قال بعضهم خليفة تخلف احدهما صاحبه لمن اراد خدمة ربه او عبادته ثم وصف سبحانه على الوقار من العارفين والمطمئنين من المتمكنين بقوله { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } وصفهم بالعبودية خاصة ومن العرش الى الثرى ملكه وعبيده اراد بانهم بلغوا ميادين العبودية بانواع الربوبية فانسلخوا من كل مراد دون وجه حبيبهم فيصح عبوديتهم لانقطاعهم عن غيره يمسون على الارض على حد الوقار والهدوء والسكينة اذا على مطايا قلوبهم اثقال اوقار انوار عظمة الذات وسطوات الصفات ثم زاد فى وصفهم بقوله { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } اذا سمعوا غير ذكر الله الصافى بنعت الاخلاص والمحبة والشوق يقولون للمتكلفين سلاما اى سلامة من الله علينا من مصاحبتكم ومباشرة تكلفكم قال الجنيد عباد صفة مهملة وعبادى صفة بالحقيقة وعباد الرحمن صفة حيقيقتها لحقيقة قال جعفر يمشون على الارض هونا بغير فخر ولا رياء ولا خيلاء ولا بتختر بل بتواضع وسكينة ووقار واطمانينة وحسن خلق وبشر وجه كما وصف النبى صلى الله عليه وسلم المؤمنين فقال "هينون لينون كالجمل الأنف ان قيد انقاد وان افخنه على صخرة استناخ" وذلك لما طالعوا من تعظيم الحق وهبته وشاهد من كبريائه وجلاله خشعت لذلك ارواحهم وخضعت نفوسهم والزمهم ذلك التواضع والتخشع قال سهل فى قوله سلاما قال صوابا من القول وسداد ثم زاد فى وصفهم بقوله { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } اخبر عن احالهم فى شهود عظمته وجلال سلطان كبريائه حين كاشفهم جمال وجهه فساعة يتمرغون التراب ويعفرون وجوههم به لحب عظمته وهيبة بهائه وساعة يصرعون من صولة انوار صفاته وبروز جلال ذاته وساعة فى القيام بنعت البهة والحيرة وساعة فى الركوع فى روية العظمة وساعة فى السجود فى مشاهدة نور الدنو فهكذا يبيتون عشاقه فى حضرته فيولهون من الذوق ويتحيرون من الشوف ويتيهون فى تيه الكبرياء ويستانسون بعروس البقاء

نهارى نهار الناس حتى اذا بدا الى الليل هزينى اليك المضاجع
اقضى نهارى بالحديث وبالمنى ويجعنى بالليل والهم جامع

قال ابو عثمان افنوا اوقاتهم فى الخدمة تلذذ بالمناجاة وتقربا اليه وتحنا اليه كما قال النبى صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه فاتقرب الى عبد بمثل اداء ما افترضت عليه ولا يزال العبد يتقرب الى بالنوافل حتى احب الحديث ثم وصفهم بالانفاق بالقصد بغير الاسراف والتقنين بقوله { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } الاسراف فى النفقة انفاق فى غير مرضات الله الانفاق بالرياء والسمعة والافتار والتجلى والامساك قال بعضهم الاسراف فى النفقة تعظيم المنفق نفقته والاقتار فيه الامتنان على من ينفق عليه وقال ابن عطا الاسراف فى النفقة انفاق فى غير مرضاة الله والاقتار الامساك عن واجب حق الله.