التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
٢٢
وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
٢٣
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
٢٤
-القصص

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } لمّا تخلص من مقام تربية ارادة وفاز من صحبة الاضداد ومقام الامتحان هاج سره بحق الحق واستنشق روحه رائحة ورد الوصال وراى برما من سحايب القربة قال فى نفسه { عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } اى يهدينى ربى الى مشاهدته ويسمعنى كلامه وذلك سواء سبيل المعرفة لان المعرفة بحقيقتها مستفادة من المشاهدة ومن هناك تبدو سبل قدم الذات ومعرفة ازلية الصفات فمدين اشارة الى مشاهدة عالم الازل والابد وتوجهه كان اليها بالحقيقة فوجد نسائم ذلك من جانب يدين لان هناك مواضع الكشف والخطاب وصعود انوار بنوة شعيب عليه السّلام وذلك كما قال عليه السّلام فى اخباره عن وجدانه نسيم نفخة كشف جمال الحق فى مزار قلب او يس القرنى رحمة الله عليه انى لاجد نفس الرحمن من قبل اليمن قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السّلام انى لاجد ريح يوسف قال جعفر توجه بوجهه الى ناحية مدين وتوجه بقلبه الى ربه طالبا فيه سبيل الهداية واكرمه الله بالكلام وكل من اقبل على الله بالكلية فان الله يبلغه ما صوله قال ابو سعيد الخراز حملته الفراسة وتدابير المكالمة فيه الى ان توجه ارض الابد وهو ارض مدين فصادف بها شهباء وكان له فى لقائه اوائل البركات فلما اكمل هيجانه الى لقاء ربه ---- بصورته وقصدر بروحه موارد المشاهدة والمكاشفة بقوله { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } ورد سره موارد المكاشفة وسوافى المشاهدة وانهار القربة وبحار القدس والانس فشرب منها باقدح الاقداح شربات المحبة والعشق والشوق فصار هايما فى الملكوت حيرانا فى الجبروت قال الواسطى الوارد بطلب المفقالة لثقل الحرمة والقاصد يطلب اللقا والظفر قال ابو بكر بن طاهر ورد فى الظاهر مدين ورد فى الحقيقة على مالك مياه الانس وبساتين المعرفة فوجد عليه امة اى خواصا من العباد يرتعون فى تلك الميادين فانس بهم وشرب معهم من تلك المياه شربة اورثته ورده ذلك المورد الورود على مخاطبة الحق ووارثه شرب ذلك الماء الثبات فى حال المخاطبة ثم بين سبحانه مقام فراسة موسى بقوله { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } راى موسى بنور النبوة اهله وخاطبهما من حيث رؤية القلب ووجدان الاهلية واعانهما نصحا الطريقة واداء شرايط الارادة بقوله { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } استظل ظل العناية وطلب من هناك حقائق الكفاية بنعت الرضا والتسليم واظهر افتقاره الى وصول المشاهدة حين عائن كنوز القدم مفتوحة وجلابيب الصفات مكشوفة فانبسط اليه بالسوال حين انفرد من الخلق والخليقة قال ابن عطا نظر من العبودية الى الربوبية فخشع وخضع وتكلم بلسان الافتقار بما ورد على سره من انوار الربوبية فافتقاره افتقار العبد الى مولاه فى جميع احواله لا افتقار سوال ولا طلب قال بعضهم تولى الى كهف الرعاية فان فيه الراحة والاسترواح قال دويم فى قوله ولما ورد ماء مدين مياه الرحمة والعناية لا تخلوا من الواردين والطالبين والعاكفين عليها فمن ايد بالعناية سقى ماء الرحمة ومن أيد بالشفقة سقى ماء العناية ومن ايد الكلاية سقى من ماء المعرفة ومن أيد بالانس سقى من ماء المحبة ومن أيد بالصدق سقى من ماء للصفاء وكل وارد مياه الحضرة يسقى على مقدار عطشه فمنهم من يروى من عطشه ومنهم من يزيد عطشا وهيمانا كلما ازداد من الشرب ازداد من الظمأ كما حكى عن ايوب عليه السلام انه قال ---- يشبع من رحمتك كذلك قيل المشرب كثير الرخام

شربت الحب كسا بعد كاسفما نفد الشراب ولا رويت

قال الاستاذ ورد بقلبه موارد الانس والموارد المختلفة مورد القلوب رياض البسط الكشوفات المحاضرة فيطرفون لانواع الملاطفات ومورد الارواح مشاهدة الارواح فيكاشفون بانوار المشاهدة ويسقطون عن الاحساس والنفس وموارد الاسرار ساحات التوحيد فعند ذلك الولاية لله فلا نفسه ولا حرس ولا قلب ولا انس استهلاك فى الصمدية وفناء بالكلية ويقال فى قوله تولى الى الظل اى الى ظل الانس وروح البسط واستقلال السر بحقيقة الوجود.