التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
١٩١
-آل عمران

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } ان الله سبحانه لما خلق ارواح اهل المعارف اوحدها على كشف جماله فوقعت كينونة الارواح على سواطع نور المشاهدة فباشرت انوارها صميم الارواح فعشقت بالله جماله وجلاله فلما اشترت بالاشباح بقى الذكر والعشق والمحبة معها عوض المشاهدة ففى كل نفس لا يخلوا عن ذكرها معاهد الاول ومشاهدة القديم بنعت الشوق والمحبة وذلك بغر اختيارها ذاكرة للمذكور متفكره للغيبة والحضرو شائقه عاشقة نبعت الهيجان والهيمان على جميع الاحوال محذوبة بسلسلة الوصلة الى جمال القدم مستغرفة فى بحار المواجيد وانوار الكواشف لاجل ذلك وصفها الله بدوام الذكر والفكر على نعت التشهد واخبرعلى قدر عقول الخلق عن احالهم بلفظ الذكر والفكر وذلك نعت قلوبهم وعقولهم وابدانهم واخفى شهود ارواحهم مشاهد القدس والانس لطفا وابقاء ومحبة وغيره بقوله الذين يذكرون الله قياما وقعود وعلى جنوبهم قيامهم مقرون بذرك العظمة والكبرياء وقعودهم مقرون بذكر الجمال وحسن الافضال واضطجاعهم مقرون بذكر البسط والرفاهية فى الشوق والمحبة فذكرهم على قدر كشوف الصفات فشكف العظمة يهجهم الى ذكر الفناء الى التوتحيد وكشف الكبرياء هيجهم الى ذكر الاضمحلال فى التواضع والتفريد وكشف البهاء هيجهم الى ذكر الخمود فى الشهود وكشف القدرة هيجهيم الى ذكر العجز فى العبودية عن ادراك الربوبية وكشف الجمال هيجهم الى الغيبة فى ذكر الاباد وعلى ذلك كل صفة لها تجلى ولذلك التجلى مباشرة فى قلوب الذاكرين لكل كر له عمل فى المقامات وله حقيقة وجد فى الحالات ذكر ايضا من رضى الحق والتوكل من حب الله وذكر القهر من جبروت الله وذكر الافضال من ملكوت الله وذكر الالاء من ملك الله وعلى قدر ظهور الصفات لهم تسرمد الذكر الذى وافق الكشف من الاسماء والصفات والنعوت والذات سبحان من خص الاولياء بكشوف صفاته سبق ذكره لهم بهذه الفضائل والقربات قبل ذكرهم ايه الى الازل فذكره تجعلهم ذاكرين ورحمة جعلتهم متفكرين فى جلاله وعظمته ومن عاش منهم عن حقيقة القدم صار متصفا بعد الذكر بصفة المذكور وخرج من مقام الذكر لغيبته عن الذكر فى رؤية الازل والابد فعند ذلك الذاكر والذكر والمذكور فى باب الاتحاد واحد فى شرط الفردانية الموحد الذاكر فنى ويبقى الموحد لا غير كما لم يزل فى الازل قال جفعر يذكرون الله قياما فى مشاهدات الربوبية وقعود فى اقامة الخدمة على جنوبهم فى رؤية الزلف وقال الواسطى كل ذاكر على قدر مطالعه قلبه بذكره فمن طالع ملك الحلال ذكره بذلك ومن طالع ملك رحمته ذكره بذلك ومن طالع ملك معرفته ذكره على ذلك من طالع ملك سخطه وغضبه كان ذكره اهيب ومن طالع المذكور غلق عليه باب الذكر وقال النصر بادى الذين يذكرون الله قياما بقيوميته فامن هو قائم على كل نفس وقعود بمجالسة انا جليس من ذكرنى وعلى جنوبهم على اشارة ياحسرتى على ما فرطت فى حنب الله قال بعضهم الذين يذكرون الله قياما يذكرونه قائمون باتباع اوامره وقعود اى قعودا عن زواجره ونواهيه وعلى جنوبهم اى وعلى اجتنابهم مطالعات المخالفات بحال قوله تعالى { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } التفكر فى خلق السموات والارض على معنين الاول طلب غيب القلوب فى الغيوب التى هى كنوز انوار الصفات الت برز منها مقادير الخلق يتفكرون فى محض الربوبية وارادتهم ادراك انوار القدرة التى تبلغ الشاهد الى المشهود بحقيقة رؤية الوصف والثانى جولان القلوب بنعت التفكر فى ابداع الملك فى الملك طلب مشاهدة المالك الاول منزل التوحيد والاخر منزل الجمع قال بعضهم هو رؤية الله قبل التفكر فى الاشياء وواسطة التفكر ان ترى الاشياء قائمة بالله وفساد التفكر ترى الاشياء فيستدل بها على الله وقبل ذلك بالتفكر فى صفات الحق لا فى المحدثات لقال ويتفكرون فى السموات قوله تعالى { رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } تطرقوا من مقام الذكر الى مقام التفكر فى خلق الكون استرواحا من الاحتراق بنور الذكر بمروحة صفاء الفعل لكى لا يفنوا فى مشاهدة المذكور وذلك غلبة المريدين فى طلب الرفاهية وركوب الرخص الا ترى كيف احتجبوا بالفعل عن الفاعل وايضا لما استحلوا رؤية الفاعل فى العفل ووجدوا حكما لانانية بنعت التجلى فى مرأة الفعل قالوا ما خلقت هذا باطلا ارادوا وجود الكون مرأة التجلى المكون فى مقام التفكر بعد ارادتهم زواله صفاء الذكر غيره على الغير وذلك قولهم ربنا ما خلقت وعلة ذلك ان الله سبحانه عرف مكان ضعف الخلق عن حمل مشاهدته صرفا فاظهر الكون ليتطرقوا بالوسيلة اليه كيلا يحترقوا فى اول بوادى ظهور العظمة وسطوات الكبرياء رحة وشفقة قال فارس الحكمة فى اظهار الكون اظهار حقائق حكمته بالفعل الحكيمى قال اخواص امرهم بالتفكر فى خلق السموات والارض ثم قطعهم عن ذلك بقوله ربنا ما خلق هذا باطلا ولهم عليها ثم حثهم على الرجوع اليه لكيلا يقفوا معها وينقطعوا من مشاهدته والاقبال عليه قوله تعالى { سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } لما نزل القوم من مقام الذكر الخالص بغير الوسائط الى مقام التفكر فى الافعال والايات ووقعوا فى رؤية الخلق ادركوا ما فاتهم من خوالص الذكر بقوله سبحانك اى انت منزه عن كل ذكر وفكر وكل خاطر واشارة عبارة وانت اعظم من ان يدركك احد وسيلة الكون حيث لم يدركك بكل ذكر خالص ولا يدركك الا بك كل عارف وسبحانك عما وصفناك بلسان الحدث انت كما اثنيت على نفسك بقولك سبحان الله عما يصفون وقنا عذاب النار اى عن طلبنا بنا لا بك وعذاب النار عذاب البعد وذلك نيران القرأن وهو احرق من نار الظاهر قال النصر ابادى سبحانك اى نزهت فى نفسك فى نفسك بمعناك بما لاق منك بك لك.