التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ
٣٠
-آل عمران

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } حذرا صفياء بالفراق عن وصله بسبب محبة اعدائه وبهذا التخويف يربى خواص احبته فى قباب الشفقة واسبل بهذا عليهم نقاب الغيرة حتى لا يراهم سواه { وَٱللَّهُ رَؤُوفُ بِٱلْعِبَادِ } مشتق باوليائه واهل طاعته بان يسترهم عن ابصار الغفلة والجهلة واكرمهم بصحبة اهل التوحيد والمعرفة وبسط لهم بساط الشريعة والحقيقة حتى يردوا موارد الانبياء والرسل وشربوا من مناهل المقربين شراب الصفا ولبسوا من نسج المكروبين اثواب الوفاء وسئل ابو عثمن عن قوله لا يتخذ المؤمنون الكافرين الياء فقال لا ينبسط شئ الى مبتدع لفضل عشيرة ولا لقرابة نسب ولا تلقاء الا ووجهه له كان فان فعل شيئا من ذلك فقد احب من ابغضه الله وليس بولى الله من لا يوالى اولياء الله ولا يعادى اعداءه وقال ابن عطا فى قوله ويحذركم الله نفسه انما يحذر نفسه من يعرفه فاما من لا يعرفه فان هذا الخطاب زائل عنه وقال الواسطى يحذركم الله نفسه فى هوى اتيان شئ من الطاعات اذ فيه حذب الربوبية وقال ايضا ذلك ان لا يامن احد ان يفعل به ما فعل بابليس زينة بانوار عصمته وهو عنده فى حقائق لعنته وسبق عليه ما سبق منه اليه حين غافضه فجأة ابظهار علته وقال ايضا انه لا يحذر نفسه من لا يعرفه وهذا خطاب الا كابروا ما لا صاغر فخاطبهم واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله واتقوا الله ما استطعتم وقال جعفر يحذركم الله نفسه هذا خطاب للا كابروا لله رؤف بالعباد كله وانشد

لا تعرض بينا فهذا بنان قد خضبناه بدم العشاق

وقال الواسطى يحذركم ان تثبتوا نفسه بنفوسكم وبغة لقديمة عليكم باحوالكم الخديعة وان تنسوا الازلية بالاخرية والربوبية بالعبويدة قان الاصل اتم من الفرج وان العبودية انما ظهرت بالربوبية وقال ابراهيم الخواص علامة الحذر فى القلب دوام المراقبة وعلامة المراقبة للتفقد للاحوال النازلة وقال جعفر يحذركم الله نفسه ان تشهد لنفسك بالصلاح لان من كان له سابقة ظهرت سابقته فى خاتمة قال الاستاد الاشارة من قوله ويحذركم الله نفسه للعارفين ومن قوله والله رؤف بالعباد للمشتاقين فهؤلاء اصحاب النعنف والعتوه وهؤلاء اصحاب التخفيف والسهولة وقيل اغناهم بقوله ويحذركم الله نفسه ثم احياهم فابقاهم بقوهل والله رؤق بالعباد وقال ابن عطارحمه الله العبادة مومنهم وكافرهم وبربهم وفاجرهم وخص رحمة الرسول عليه السلام وقوفة على المؤمنين دون من سواهم وهذا كقول ابراهيم عليه السلام حين قال وارزق اهله من الثمرات من أمن منهم بالله قال ومن كفر فانه لا رازق فى السموات والارضين غيره وبسن فى ربوبيته تعالى ان يحذر اولياءه واعداءه بما صدر من افعلاه القديمة من نكال الجحيم والحطمة لانها قهر والسواسطة بين الافعال والصفات وحذر اولياءه المؤمنين خاصة صفاته وذاته فتحذير المؤمنين بالصفات كالرحمان والهجران عن نواله وكرامته وتحذير اوليائه بعزة نفسه وهم على طبقات شئ وجمعهم فى وصول التوحيد وفرقهم فى منازل المقامامت فحذر التائبين بالسلطنة وحذر الخائفين الوجلين بسطوات العظمة وحذر المحبين وللشتاقين والعاشقين بالعزة والجبرية وحذر العارفين والموحدين بصدمة الكبرياء والظلمات بحر الديمومية وبهذه الصفات يحذر اهل انبساط والبسط والرجا السقوط سؤ الادب عنهم فى مدارج التوحيد والكرامة.