التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
٣٣
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٣٤
إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٥
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ
٣٦
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٣٧
-آل عمران

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحاً } الاية اصطفى ادم بعلم الصفات وكشف جمال للذات وقيل خلق الخلق فى ازل الازال فاذا اراد خلق روحه ونظر بجماله الى جلاله ونظر بجلاله الى تجماله فظهر بين النظرين روح أدم فخلقها بصفة الخاص ونفخ فى روحه وروحا وهو علم الصفات يفعل الخاص الذى يتعلق بالذات وخلق ايضا صورته بصفاة الخاص ونفخ فيها روح الاول وروح الثانى فوصف روحه فقال ونفخت فيه من ورحى ووصف صورته فقال خلقت بيدى فسبق بهذه الصفات من الملائكة الكرام البردة البسه خلعة خلافته واسجدوا له ملائكته لاجل هذا التخصيص كرامة له وتشريفا وتفضيلا على مشائخ الملكوت وقال انى جاعل فى الارض خليفة وقال سجدوا لأدم لا توثر فى نعوت الازل طوارقات الحدوث ما دام الاصفطاء بهذه الصفة سابق له وايضا اصطفاهم لنفسه عن خلقه لموقع الخطاب وكشف النقاب لاستعداهم تحمل اثقال امانته والتعمق فى بحار ازليته والسيران فى ميادين وحدانيته والطيران فى هواء فوقانيته لطلب كشف احديته وجمال سر مديته والاشارة فى نوح وأل ابراهيم ان لاصطفاء من سبب المحبة الازلية لا من جهة الانساب المحدثية كما قال الاستاد رحمة الله عليه اتفق أدم وذريته فى الطبقة وانما الخصوصية بالاصطفاء الذى هو من قبله لا بالنسب والسبب وقال الفارس اصطفاهم على الناس لثبوته واستخلصهم لرسالته فهو المعبوثون الى خلقه رحمة عن اوليائه وحجة على اعدائه هم الدعاة الى الله بالحكمة والموعظة مبشرين عباده جزيل الثواب منذرين اليم العقاب لئى يكون للناس على الله حجة بعد الرسل اذلو شاء لهداهم اجمعين قال الواسطى اصطفاهم للولاية وقال ياضا واصطفاهم فى ازلية وصفاهم لقربة وصافاهم لمودية وقال ايضا اصطفاء فى ازل قبل كونه اعلم بهذا خلقه ان عصيان أدم لا يوثر فى اصطفائيته لدانه سبق العصيان مع علم الحق بما يكون منه وقال ايضا اطفى الانبياء للمشاهدة والتقهب واصطفى المؤمنين للمطالعة والتهذيب واصطفى العالم للمخاطبة والترتيب وقال النصر ابدى اذى انظرت الى أدم بصفه لقيته بقوله وعصى أدم ربه واذا القيته بصفة الحق لقيته بقوله ان الله اصطفى أدم وماذا يوثر العصيان فى الاصطفاء وقال الواسطى الاصطفائية قائم بالحق والمعصية اظهار البشرية وتوبة اعجب لانه من نفسه اى نفسه جرع قوله تعالى { إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً } اى حرا عن رق النفس مقدسا عن مس الشيطان صافيا لك عما سواك مخلصا فى مودتك صادقا فى طاعتك موافقا لخدمتة اوليائك وايضا حرافى مقام مشاهدتك عن الاشتغال بخدمتك ليكون لك خالصا فى حظ الربوبية وايضا حرا فى مقام عبوديتك بنعت محبتك منفردا عن الاشتغال بالجنة النار حتى يكون فى عبادتك لك مفرد عن الالتفات شئ غيرك وايضا ايقنت اسرار باطنها وقوع الانثى وان لم يعلمها بنص العقل فقالت احررت لك لانها موقع كلمتك يعنى عيسى عليه السلام ولا ينبغى لمن حمل حرا الا ان يكون هو ايضا حرا قال الاستاد المحرر الذى ليس فى رق شئ من المخلوقات حرره الحق فى سابق حكمه عن رق الاشتغال بجميع الوجود والاحوال قال جعفر محر راى عتيقا من رق الدينا واهلها وقال محمد بن على فى انى نذرت لك ما فى بطنى محر راى يكون لك عبد مخلصا ومن كمان خالصا لك مان حرا ما سواك وسئل سهل بن عبد الله عن المحر فقال هو المعتق من ارداة نفسه ومتابعة هواه وقال النورى اى خادما لاهل صفوتك قال ابو عثمان محررا عن شغلى به وتدبيرى له فيكون مسلما الى تدبيرك فيه حسن اتخيارك له وقال محمد بن الفضل محررا عن الاشتغال بالمكاسبق قوله تعالى { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } قبول الحق لها انه اخلصها العبادة وجعلها محل أتيه وكرامته ورباها فى حجر صفوة انبيائه وكشف لها من عظيم أياته ما لا يقوم بازائها اكثر اهل زمانها الانبياء وارسل اليها فى الظاهر ورح القدس حتى يعلمها حسن الادب ونفخ فيها روح الخاص الذى هو طير الانس حتى يكون لها دخيرةالمأب وقال جعفر يقبلها حتى يعجب الانبياء مع علو اقدارهم فى عظم شانها عند الله الا يرى ان زكريا قال لهخا انى لك هذا قالت هو من عند الله اى من عند من تقبلنى وقال الواسطى بقول حسن محفوظ قوله تعالى { وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } من انبتها شجرة الربوبية وسقاها من مياه القدرة حتى اثمرها النبوة ليكون الثمرة حيوة الخلق لانها هى روح الحق يعنى عيسى وقيل اضاف الاحسان اليها فى الشرعية وفى الحقيقة حفظها انبتها وقال ابن عطا احسن النبات ما كان تمرته مثل عيسى روح الله وقال الاستاد فتقبلها ربها بقبول حسن حيث بلغها فوق ما تمنت امها وقيل القبول الحسن ان رباها على نعت العصمة حتى كانت بقبول اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا وقال ايضا من اشارات القبول الحسن انها لم يكن توجد لا فى المحراب { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } لان خدمة الاولياء تحصل الا من الاولياء وايضا يوافقها فى جميع احوالها من الخلوة والمراقبة والسرو والنجوى والمشاهدة والمكاشفة { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً } يرزقها الله تعالى رزق الجنة فى الخلوة مكافاة للخدمة والعفة كرامة لها حتى لا يشغلها تولاه المخلوق ويكون فى حقيقة التوكل ما فه من الالتفات الى غير الحق وان كان نبيا مرسلا وقال الاستاد اذا دخل عليها زكريا يطعام وجد عندها رزقا ليعلم العالمون ان الله سبحانه لا يلقى شغل اوليائه الى غيره وقال من خدم وليا من اوليائه كان هو فى رفق اولى لا انه يكون عليه مشقة لاجل اوليائه وقال فى هذه اشارة لمن يخدم الفقراء لا ان الفقراء تحت خلقه { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } اى ابى عمل وجدت هذا { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } خالصاً وجدته لا يكلفه العمل وعلة الكسب وايضا خاف عكليا ان تلك المنزلة من حيل الشيطان ففتش احوالها حتى يعلم حقيقة صدقها فقال انى لك هذا قالت ليس كما خطر ببالك انه من خصائص كرامات الله التى وهباها الى ليس فيها شئ من مخيلات الشيطان وقال الاستاد لم يكن يعتقد فيها زكريا استحقاق تلك المنزلة وكان يخاف ان غيره لعله انتهز فرصة تعهدها وسعة بكفاية شغلها.