التفاسير

< >
عرض

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ
٩٦
فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ
٩٧
قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ
٩٨
قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
٩٩
-آل عمران

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ } العرش قبله الملائكة والكرسى قبلة سكارى الحضرة البيت المعمور قبله السفرة والكعبة قبلة الناس علما خاصا الحال الطارقين الى الوسائط وحجبهم بها عن مشاهدة جماله غيرة على نفسه عن ان يرث احد اليه سبيلا لانه وضع نبيه قبل أدم ابتلاء وامتحانا لتحجبوا بالبيت عن صاحب البيت ومن ارعض سره عن الجهة فى توجهه الى الله صار الحق قبله له فيكون هو قبلة الجميع كأدم قبلة الملائكة لانه وسيلة الحق بينه وبين ملائكته لما عليه كسوة جلاله كما قال عليه السلام خلق الله أدم على صورته يعنى القى عليه حسن صفاته ونور مشاهدته كما قال تعالى فى حق موسى والقيت عليك محبتة منى والمحبة خاصته صفاته الازلية ومن اعرض من اهل العبودية عن أدم فمثله كمثل ابليس من الملائكة لان من شرط المعرفة العبور بالوسائط فى عالم العبودية فاذا كان محققا فى المشاهدة قال اى جهة فثم وجه الله كما قال تعالى فاينما تولوا فثم وجه اله لانه فى محل عين الاجمع وكما قال بعض العارفين ما نظرت الى شئ الا ورايت الله فيه وايضا اوضع بيته وكساه بكسوة أياته الكبرى وهى نور القدرة لجذب قلوب عباده اليه بوسيلته لاجل ذلك قال بيتى لتخصيص الاضافة ولانه منور بنور أياته الخاصة { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } سميت البكة لالتصاق ارواح العشاق به شوقا الى لقاء حبيبهم ولا زدهام العارفين اليه بالمبادرة والمسارعة ببذل المهج ويقال لا تعلق قلبك باول بيت وضع لك ولكن افرد سرك لاول حبيب انزله وقيل شتان بين عبد اعتكف عند اول بيت وضع له وبين عبد لازم حضرته عزيز كان له { مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } اى مقدسا من ان يلتصق به ريب الشاكين اوتهمة المرائين او ان يرى وبه عروس الايات الى غير المخلصين ايضا تعظما بما كسى الله عليه من انوار قربه وحضرته وبركاته ان يسكن به قلوب المريدين ويكو مروحة لفواد المستاقين وروضة الارواح الصادقين وريحانة لمشام العاشقين وهدى هاديا بانكشاف نوره للعالمين من المؤمنين وايضا هدى للمنقطعين الى شهود الانس وراشد للمحسنين الى مشاهدة الرب تبارك وتعالى وقال الاستاد بركاته اتصال الطاف والكشوفات هناك لكن قصده بهمه ونزل عليه بقصد هذه الى طريق رشده وقال الحسين ان الحق تعالى اورد تكليفة على ضربين تكليفا عن وسائط تكليفا بالحقائق فتكليف الحقائق بدت معارفه منه وعادت اليه تكليف الوسائط بدت معارفه عمن دونه ولم يتصل به الا بعد الترقي منها الى الفناء عنها فمن تكليف الوسائط اظهار البيت والكعبة فقال ان اول بيت وضع فما ذمت متسلابة كنت منفصلا عنه فاذا انفصلت عنه حقيقة وصلت الى ظهره وواصفه وكنت مترسما بالبيت متحققا بواضعه قوله { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ } البيت مرأة العارفين يتجيلى الحق لهم بوسائط الايات ابهم الخلق سر ظهوره فيه لئلا يطلع عليه كل اجنبى من هذه القصة وشان البيت وشجرة موسى سواه تجلى منها لموسى وتجلى منه لامة محمد صلى الله عليه وسلم واشار بالايات البينات الى نفسه تعالى وقتدس عن الحلول والنزول وبنعت الانتقال قال الاستاد فيه ايات ولكن لا يدرك تلك الايات بابصار الرؤس ولكن ببصائر القلوب وقال محمد بن الفضل فيه ايات بينات علامات ظاهرة يستدل بها العرافون على معرفهم قوله { مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } الرضا والتسليم والانبساط واليقين رضاه حين القى فى النار وتسليمه فى ذبح ولده وانبساط قوله رب ارنى ويقينه قوله وكذلك نرى ابرايهم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقين وزايدته مقام المكاشفة فالمشاهدة والخلة والفتورة فمن وافق سره سر هذه المقامات فقد ادى حق مقام ابراهيم وايضا للخليل مقام المعرفة والتوحيد والفناء والبقاء والسكر والصحو فمن ذاق طعم السكر وتمكن فى الصحو فنى عن اوصاف نفسه وبقى على اوصاف الحق بنعت الخلق عليه والتنور بانوار المعرفة والتلبس بلباس التوحيد وطاروحه فى سنأ القدم وطاش قلبه فى جلال الابدية وسار سره فى الملك الاعلى وهام عقله فى وادى العظمة والكبرياء واطمانت نفسه فى احكام الربوبية بلا جزع وفزع فقد فاز برؤية مقام ابراهيم لانه محل التمكين قال الاستاد مقام ابراهيم فى الظاهر ما باشر بتقدمه وهو فى الاشارة ما وافق الخليل بهمه وقيل ان شرق مقام ابراهيم لانه اثر الخليل واثار اخليل عند الخليل اثرو خطرعظيم وقال الشبلى مقام ابراهيم هو الخلة فمن شاد فيه مقام ابرايهم الخليل فهو شريف ومن شاهد فى مقام الحق فهو شرق قال محمد بن على التمذى مقام ابراهيم هو بذال التقبس والولد والمال فى رضا خليله فمن نظر الى المقام ولم يتجلى مما تجلى منه ابراهيم من النفس والمال والولد ولم يسلم فقد بطل سفره وخابت دجلته قوله تعالى { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً } من دخل مقام الانابة اعتصم بنورا لكفاية عن تواتر المعصية ومن دخل مقام الزهد فقد استراح من هو اجس الوسوسة ومن دخل مقام التوكل قلت من ضيق الاشتغال بالمكاسب ومن دخل مقام الرضا فقد فاز من الفنا ومن دخل مقام الوفاء فقد ذاق طعم الصفا ومن دخل مقام الاستقامة فان من تلوين الخاطر ومن دخل مقام الاخلاص من من أفات الرياء والسمعة ومن دخل مقام الصدق من من رعونات النفس ومن دخل مقام التسليم مثل الخليل فقد خرج من تنازع النفس وتدبيرها وارادتها لوم يبق له اختيار وسكن فى اختيار الحق ومراده منه وأمن من خوف فوت المراد لان جميع الخوف من جهة فوت المراد فاذا لم يبق له مراد زال الخوف باسره منه ولم يبق للخوف مساغ فى وصفه ولا محالة ان دخول البيت لا يكون متسحنا الا بتسليم الامور الى رب البيت فان من لم يكن بالتسليم موقوفا فى ترك مراده فهو معارض للتقدير فى جميع الامور وحسن الادب فى دخول البيت التسليم بنعت الرضا دون المعارضة وتزاع البشرية من دخل مقام المراقبة من بعد الاستقامة من الخطرات الردية ومن دخل مقام الانس فاءت عنه الوحشة وغربت عنه شره الفترة ومن دخل مقام الخوف امات الله عنه خوف زوال المحبة ووقر بنور الهيبة عند جميع الخلق ومن دخل مقام الرجاء شعشعت عنه دارات الامتحان وترح عن افتنانها بحلاوة الدنيا وزهرتها لان من دخل فقلبه سلطان حقائق الرجاء امن من نوازع البشرية وهو اجس الطبيعة وقوارع النفسانية لان نور الرجاء من بحر الانس ونور الانس من بحر القدس والقدس من صفاته علا كبرياوه وجلت عظمته ومن التجا الى ظل لسطان الوحدانية امن من عارات الشيطان لانه دخل فى قباب عصمته ومن كان فى مقام كنف ستر جبروته فانى يلحقه ايدى الشياطين قال الله تعالى { { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } واخبر عن عدوهم وقال لا غويتهم اجميعن الا عبادك منهم المخلصين ومن دخل مقام المحبة امن من الابعاد والطرد والغضب ومن دخل مقام الشوق امنت روحه من ارتباطها عى عالم الحدثان ومن دخل مقام العشق صار متصفا بصفات لاحق وخرج من اوصفا النفس ومن دخل مقام المعرفة امن من عين النكرة ومن دخل اليقين امن من غبار الشك والريب ومن دخل سر اوقات التوتحيد جنحت عنه خواطر الشرك لان حقيقة التوحيد الخروج عن عرضة النفس وسجن الوسواس وعلائق المعاهدات البشرية وقطع عوائق الانسانية عن اوطان الذكر ومن دخل مقام الذكر اطمان برؤية المذكور وخلص من ذكر ما سوى الحق واذا خرج العبد عن نفسه وشهواته ببلغ مقام صفاء العبوندية وافذا بلغ صفاء العبودية بلغ صفاء الحرية ومن بلغ صفاء الحرية بلغ صفاء ا لذكر ومن بلغ صفاء الذكر دخل فى مشاهدة المذكور وامن من عذاب القبور ومن دخل مقام التفكر غاصت روحه فى بحار انوار الملكوت وترى فى اصداق العيوب جواهر الجبروت وسملت من ربق النفس وطوارق الشيطان ومن دخل مقام الحياء تصدعت عن امرار قلبه ادخل الشيطان وتقدس سره من نفخ الوسواس ومن دخل حجال عين الجمع سكن فى وجد الحق تعالى بلذة الانبساط ونور البسط ولابسه الله خلقة الاناينة امن من صافت الانسانية وسكر من تكاليف حياة الدنيا وبه ومن دخل قلبه انوار اقربة سكنت روحه بالمشاهدة وعقله بالمكاشفة وسره بالمعاينة ونفسه فى العبادة ومن دخلت روحه فى انور العظمة تاه قلبه فى وداى الهيبة وعقله سكن بنور المعرفة وسره بنور الوصلة ونفسه بلذة المانية فى امور الربوبية ومن دخل سره فى جنان الانس مسكن قلبه فى ظهور انوار القدس وروحه فى بروز نور القدم وعقله فى كشوف نور القدرة ومن دخل عقله فى نور الشواهد سكن سره بقاء الشهود وروحه فى روية عين الحقيقة وقلبه فى محبة الازلية ونفسه فى رسوم المخاطبة ومن دخلت نفسه فى مراد الحق وخرجت عن مراياة الخلق سكن قلبه بنور الاخلاص وروحه بنور الصدق وعقله فى صفاء العبودية وايضا من دخل نور اليقين قلبه امن سره من اضطراب الشك وعلقه من رحمة النفس وروحه من هموم التدبير ونفسه من نفاد الشهود الخفية ومن دخل نور الايمان عقله راى قلبه حقائق البراهين وروحه عالم الملكوت وسره نور الجبروت ونفسه احن اصوات خطاب بالخاص من حضر الحق جلت عظمته ومن دخل نور التوحيد روحه فتق عين سره بنور الوحدانية وعين قلبه بكحل الفردانية ورسخت نفسه فى اخلاص العبودية ومن دخل نور الاسلام نفسه امن روحه من خطراتهما وامن سره من لحظاتها وامن قلبه من وسواسها وامن عقله من نزاعائها ومن دخل بهذه الصفات التى ذكرنا بيت ربه تعالى امن من عذاب هجرانه فى الدنيا والاخرة وقال الاستاد جعلنا الاشارة من البيت الى القلب ومن دخل قلبه سلطان الحقيقة امن من نوازع البشرية وهو اجس عاهدت النفس وقيل ان الكناية بقوله سبحانه ومن دخله راجعة الى البيت ومن دخله يشبه على الحقيقة كان أمنا وقيل لا يكون دخول البيت على الحقيقة الا بخروجك عنك اذا خرجت عنك صح دخولك فى البيت واذا خرجت عنك امنت قال جعفر بن محمد فى قوله ومن دخله أمنا اى من عرف الله لم يانس بئ سواه وقال النورى من دخل قلبه سلطان الاطلاع كان أمنا من هو احبس نفسه وسواس الشيطان وقال الواسطى من دخله على شرائط الحقيقة كان أمنا من رعونات نفسه قال ابن عطا من دخله كان امنا من عقابه والله فى الدنيا ثواب وعقاب فثوابه العافية وعقابه البلاء فالعافية ان يتولى عليك امرك والبلاء ان يكلمك الا نفسك وقال جعفر من دخل الايمان قلبه كان أمنا منالكفر وقال الواسطى فى موضع أخر من جاوز قلبه الايمان كان أمنا فى روعنات نفسه وقال جعفر الصدق من دخله على الصفة التى دخلها الانبياء والاولياء والاصفياء صار أمنا من عذابه كما أمنوا قوله تعالى { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } اضاف الحج الى الى نفسه لما فيه اثار الربوبية وحقائق العبودية ايضا لزم حق العبودية على عباده لاقاء شكر الربوبية وايضا ارشدهم الى روية المقصود فى الايات والعلامات بوسيلة القسد الى بيته وايضا قرض حج البيت على الجمهور الحضور الخواص زائرين رب البيت وايضا اراد ان يرى عباده عظمته وكبرياءه فى رؤيتهم ذل العبودية والتواضع والتضرع على اعناقهم وايضا اى واجب لوجوب على عبادى القصد الى مشاهدتى ببذل الاموال والنفوس الارواح وترك الراحات والشهوات والاولاد والارواح بنعت التجريد عن المكونات فى قصدهم الى بيته ويختص البيت لقصدهم رسما وحكما عن المشاهدة لانه تعالى وتقدس منزه عن الحلول والتشبيه يتجلى منه القاصدين اليه فى لبسا الملك والأيات لانه تعالى قال فيه أيات بينات اخبر عن الأيات فى نفس البيت واشار الى تجلى الصفات فى نفس الأيات كما قال عليه السلام جاء الله من سينا واستعلن بسا غير واشرق من جبال فاران يعنى جبال مكنة وعنى بالجبال والله اعلم بيت الله الحرام لانه احجار اصفطاها الله تعالى فى الازل قبله لعباده ومراة لكشوف خواصة والاستطاعة فى سبيله معرفته وقربة ورؤية الطافه فى سائر الاوقات واليقين فى وعده والتوكل عليه فى جميع الامور والمراقبة ودوام الرعاية ومعرفة حفظه وكلايته جميع عباده ومحبته الصافية عن رعونة النفس وصدق القصد اليه بصفاء النية وطهارة القلب عما سواه زادهم دوام الذكر والفكر فى الأية ونعمائه وقدرته الكاملة ورحمة الكافية ضدا وأمثال هذه المقامات استطاعة القاصدين الى بيته انقطاع عن سبيل الرشاد وهلك فى مهلكه العناد قال الله تعالى { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } اضاف الحج فى اول الآية فى نفسه ونزه نفسه فى أخرها ليعلم اهل خبرة العبودية له شفقته على عباده لان العباد ترجع اليهم بالثواب وهو منزه عن الاسباب والقاصدين الى بيت الله تعالى على ثلثة اقسام قسم منهم قاصدون الى البيت باموالهم وانفسهم لطلب الثواب وقسم منهم القاصدون الى البيت بارواحهم العاشقة لطلب حقائق المعرفة والقربة وصفاء الوصلة وزيادة مشهد التجلى والتدلى فاهل الظاهر يرحمون عن الحظورات ويحلون عن احرامهم عند قضاء نسكهم واداء فرضهم واهل الباطن يحرمون عنا كائنات والنظر الى البريات ولا يحلون ما داموا فى الدنيا الا مشاهدة الذات وكشف الصفات فشتنان بين من يرحم من المعهودات وبين من يحرم منلامسكنات وشهود المكونات لكن بلاياه لا يحملها الا مطاياه ألا ذهبوا وذهب معهم البركات وغريت بغروبهم فى مغرب الابد شموس الكرامات واقمار الأيات ذاع خيرهم فى الأفاق وخفى اثرهم عن الاماق رحمة الله عليهم حياة ومماتها من الاشارة فى قصور حجاج كعبة الحقيقة اذا اراد واستقبال قلوبهم الى نحو المقصود على بيت الله الحرام عقد وبالحقيقة مع الله بنعت المحبة عقد المعرفة وفسخوا جميع العقود التى عقدوا فى غير طريق الحق من ايثار سواه عليه وعهود النفس التى اخذت للرياء والسمعة وطلب العلو والشرف اعدوا السبل مواطن المشاهدة زاد الصدق فى التوكل والاخلاص واليقين والزهد فى تجارة الله وراحلة الصبر قوائمها الحمد ورأسها الحلم وبطنها الروع وسرجها التمكين وخرامها الاستقامة وزمامها التسليم وسوطها الادب وارها الرضا وسماؤها اليقين وماؤها الفكر وعلقها الذكر ورياضها المكشافة ومرعاها المشاهدة وتوجهها الى شهود القدم واذا خرجوا من اوطانهم هذه الراحلة هجروا من الدنيا وما فيها واستعدوا هبة الموت من جميع الخلائق من المعاشرين المتقاربين واسرعوا فى طريق الرياضة والزموا افنسهم كدج الحادين المحدين وتوجهوا بنعت الاخلاص الى الله ولم يلتفتوا الى غيره فى طريقه من اهل الدثر والدبر والبتر وعزموا ان لا يجوز عن قصد السبيل الى سبل دواعى الهوى والشياطين واذا ركبوا مراكبهم يكون قايدهم الهدى وسايقهم التقوى ومنهدهم الصفا ورفيقهم المولى وعديلهم العلم وصحبهم الحلم الشوق سيوقهم فى وادى العشق مونسهم الحنين ومطربهم الانين بدرقتهم الحبيب واذا قربوا من وادى الجرم ساروا مسرعين من الشوق وقطعوها نادمين من الذنب وخرقوها ساذمين الى مشاهدة الرب متسحرين من فوت الاوقات هائمين فى طلب الدرجات باكين دماء الحزن بالزفرات نائحين على أنفسهم بنعت العبرات واذا بلغوا راس الوادى خلعوا ثوب الراحات وتجردوا عن جميع الشهوات ولبسوا احرامهم التفريد واعتسالوا فى بحر التجريد وتطهروا عن جمع شوائب العلل واذا لبوا سمعوا أصوات الرضا بنعت الوصلة والقربة ونداء الحق قبل كونهم فى الازل واذا بلغوا عرفات صاروا متبطئين فى قيود السكر لافكاك لهم عنها الا بستر الصحو فبين السكر والصحو هائمين وبين الهيبة والبسط حائرون يعرف لهم الحق جلت عظمته حقائق المشاهدة وصفات المكاشفة واظهر لهم مكنونات الغيوب ومضمرات القلوب واذا وقفوا وقفوا راجين الى لقاء الرحمان خائفين من القطيعة والهجران شاهدين مقام الحياء حاضريم قمام الفناء فرؤية البقاء واذا وصلوا الى مشعر الحرام ذكروا الله بنعمة رؤيته وذكرهم هناك غى اللسان وهجلة الجنان فى قدم الرحمن مقشورين بين يديه مطرقين من التقصير منخين من التفريط واذا بلغوا المنى ذبوحوا انفسهم عن اللذات والشهوات واذا رموا بالجمرات رموا مجاهدتهم ورياضتهم وعبادتهم الى كتم العدو لوصولهم مشاهدة القدم واذا كسروا الحجارة كسروا متعها شهوات بواطنهم وارادات انفسهم عن ممكنات اسرارهم واذا حلقوا حلقوا عن ابطنهم فضولات الوسواس وحب محمد الناس واذا دخلوا ارض الحرم علموا انهم عند سرادق العظمة وابواب الحضرة خاضعين من الاجلال ذائبين فى نيران الكبرياء محرمين عما دون الله متاهبيت للقائه لا يحل عليهم شئ من الاكوان قبل وصولهم اليه لانهم فى معادن الصدمية وصولة الصمدية تنمعهم عن علات الحدوثية واذا جخلوا مكة ايقنوا انهم فى جاره لان مكة بمنزلة الجنة ومن دخلها امن من عقابه فى جواره لوعده تعالى واذا دخلوا المسجد دخلوها هائمين لان مكة بمنزلة الجنة ومن دخالها أمن من عقابه فى جواره لوعده تعالى واذا دخلوا المسجد دخلوها هائمين من رؤية عظمته وذكروا هيته واجلاله واذا راوا البيت رأو اقبل رؤية البيت رب البيت ومشاهدته وعلموا انهم فى حضرته القديمة ومشاهدته الكريمة واذا طافوا حول البيت راؤا ملائكته مطيفين حوال العرش والكرسى وايقنوا انهم عند الله تعالى لمنزلتهم واذا استلموا علموا انهم بايعوا الله بيعة الازل بنعت الخروج عن المخالفة بعد تلك المبايعة ولا يمدون ايديهم الى المالوفات والشهوات واذا صلوا خلف المقام علموا انهم فى مقام الوصلة والقربة والمناجاة ومحل الرافين بعهد الله واذا تعلقوا باستار الكعبة ايقنوا انهم معتصمون بحل الاعتصام لائذون بحقيقة عصمته ملتجئون الى كنف قربته منفردين عن اللياذة واجدون الحق بعد ذكل واذا دخلوا بيت تعالى ايقنوا انهم فى حفظ عنايته وكنف كلايته مستغرقين فى وجود قدمه وبقائه واذا صعدوا الصفا والمروة خرجوا من كدورات النفسانية وراؤا انهم فى مقام الاصطفاء والاجتباء ومن له بصيرة المعرفة علم وتحقق ان الله تعالى رسم هذه المناسك المشاعر مثالا لحضرة جلاله نبى الكعبة مثالا للعرش ومسجد الحرام مثالا لحظيرة القدس وجعل البلد مثالا لجنة والصفا والمروة وجبال مكة مثالا لحجاب الملكوت والحرم كله سواتر الجبروت والمنى مقام الامن والمشعر مقام الخوف والتعظيم والمعرفة ارض المحشر والمحرم مقام القيامة والبادية الدنيا والخروج من الوطن والموت والقصد الى زيارة البيت التاهب للقاء الرب تبارك وتعالى فاذا ابصر حقائق هذه الامثال صار حجة قربة مشاهدة سعيد مبرورا عمله مشكورا ذكرت حج العارفين من الموقنين والشاهدين وايضا هذه امثلة مشاعر الباطن فالكعبة هى القلب والحجر الصدر والبلد الصورة والصفاء العقل والمروة العلم والمنى الحلم والمشعر الذكر والعرفات صفاء العبودية والمعرفة والمحرم المقامات والخالات اوالبادية النفس والهوى والحاج الروح المقدس واما اسرار العاشقين ايضا اذا حجبت فكعبتها ذات القدمية جلت عظمته وعز كبرياؤه ومناسكها مراتب السر فى الصفات فاذا تجردت الاسرار فى بيداء الازل عن الاماكن والازمان والحدثان استقبلت الى عروس البقاء والسرمدية تحولها مطاف حظائر القربة على بساط الحشمة والانبساط فكل نفس منها لما نظره وشاهده وكاشفه فحجها منه اليه وغنه به وبه عنه ومنه له فاشنها عجيب ووحدها غريب وقيل لم يخاطب عباده فى شئ من العبادات فان الله عليهم الا الحج وفيه فوائد احدها انه ليس من العبادات عباد يشترك فها المال ولانفس الا الحج فاخرجه بهذه الاسم وقيل لما كانت فيه اشارات القيامة من تجريد ووقوف قال الله عليك ذلك لتهئ باطنك للموقف الاكبر كما هيات ظاهرك لهذا الموقف وقيل ان رجلا جاء الى الشبلى فقال له الى اين قال الى الحج قال هات عزارتين فاملاهما رحمة واكتسبهما وجئ بهما لكيون حظنا منا لحج بعرضها على من حضر ويحيى بها من يراه قال فخرجت من عنده فلما رجعت قال الى حججت قلت نعم اقل لى ايش عملت قلت اغتسلت واحرمت وصليت ركعتين ولبيت فقال لى عقدت به الحج قلت نعم قال فنسخت بعقدك كل عقد عقدت منه خلفت مما يضاد هذا العقد قلت لا قال فما عقدت قال ثم نزعت ثيابك قلت نعم قال تجرت من كل فعل فعلت قلت لا قال ما نزعت قال ثم تطهرت قلت نعم قال ازلت عنك كل علة يطهرك قلت لا قال فما طهرك قال ثم لبيت قلت نعم قال وجدت جواب التلبية مثلا مثل قلت لا قال ما لبيت قال ثم دخلت الحرم قلت نعم قال اعتقدت بدخولك ترك كل محرم قلت لا قال ما دخلت الحرم قال ثم اشرفت على مكة قلت نعم قال اشرف عليك من الله حال باشرافك على مكة قلت لا قال ما اشرفت على مكة قال دخلت المسجد الحرام قلت نعم قال دخلت فى قربه من حيث علمته قلت لا قال ما دخلت المسجد قال رأيت الكعبة قلت نعم قال رايت ما قصدت له قلت لا قال ما رايت الكعبة قال ملت ثلثا مشيت اربعا قلت نعم قال هربت من الدنيا هربا علمت انك به قد فاصتلها وانقطعت عنها ووجدت بمشتيك الاربع امنا فما هربت منه فازددت الله شكرا لذلك قلت لا قال فما طفت قال صافحت الحجر قلت نعم قال ويلك قرابينهم فلما اقربوا قربانهم وقضوا --- طهروا من الذنوب التى كانت لهم حجابا من دونه فاذن لهم بالزيارة على الطهارة قوله تعالى { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } وبخهم بالكفر بعد هشودهم مشاهد الآيات بامر الظاهر واستدرجهم بما اورثهم من الشهوات بقضاء الباطن وحذرهم لشهوده على اسرارهم ليطرهم عن قربه ووصاله وقال الاستاد الخطاب بهذه الاية تأكيد الحجة عليهم فمن حيث الشعر تكوكدا الحجة عليهم ومن حيث الحقيقة والقهر سد الحجة عليهم فهم مذعورون شرعا وامروا مطرودن حكما وقهرا قوله تعالى { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } نهاهم الله عن الصد والصد لا يكون الا من الحسد والحسد مذهب المغضين الذين لا يطيقون ان يروا على المريد اثر كرامة الله وهم فى الحقيقة مصدودون والمصدود مطرود يضل ويضل.