التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ
١٦

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } اراد الله سبحانه ظهور نفسه لعشاقه فخلق أدم على ما كان فى علمه ثم اظهر منه ما غاب عن الوجود من نور غيبته وبيّن انه عالم بما يجرى فى سره وما يوسوس به نفسه وكيف يخفى عليه ما خلقه وهو مبدئه بجوده جلت عظتمه من ان يخفى عليه ذرة من العرش الى الثرى الا ترى اوّل الخطاب كيف قال ولقد خلقنا الانسان ذكر الخلق ليعلم المخاطب ان ما توسوس به نفسه ايضا هو مخلوقه وتحقيق الاشارة ودقائق الرمز بيان فيها نفسه هو فيظهر ما كان فى مكمن مقاديره الغيبية ولو يرى الانسان نفسه فيرى هو ان نفسه الا ترى كيف اخبر عن كمال قربه بنعت الاتحاد بقوله { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } ولذلك قال سيد المرسيلن عليه الصلاة والسلام من عرف نفسه فقد عرف ربه اذ لا نفس الاهوان فهمت ما قلت والا فاعلم ان الفعل قائم بالصفة قائمة بالذات فمن حيث عين الجمع ما هو الا هو ولا تظن الحلول فانه بذاته وصفاته منزه عن ان يكون له محل فى الحوادث هذا رمز العاشقين الا ترى الى قول بحنون انا من اهوى انا نحن روحان حللنا بدنا فاذا ابصرتنى ابصرته وانا بصرته ابصرننا قال ابو سعيد الحراز فى قوله لوقد خلقنا الانسان هم قوم صاروا مع الله بلا سبب ولا طلب ولا هرب انه مدركهم وهو معهم يعلم ما فى ضمائرهم ويشهد حركات ظاهرهم الم تسمع الى قوله ولقد خلقنا الانسان ويعلم ما تسوسون به نفسه وقال الواسطى فى قوله ونحن اقرب اليه من جبل الوريد اى نحن اولى به واحق انا جمعناه بعد الافتراق وانشأناه بعد العدم ونفخنا فيه الروح فالاقرب اليه من هو اعلم به منه بنفسه وقال ايضا بى عرفت نفسك وعرفت روحك كل ذلك اظهار النعوت على قدر طاقة الخلق فامّا الحقيقة فلا يحتملها العبد سماعا.