التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
١٥
آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ
١٦
كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
١٧
وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
١٨
-الذاريات

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } اى الذين يتحرزون بهمومهم الصافية عن غبار الخليفة يتقلبون فى جنان القربة ويعيشون بنسيم الوصلة ويشربون من عيون المعرفة شراب المحبة { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } اى من لطائف المقامات وغرائب الدرجات فى الدنيا لهم الكرامات وفى الأخرة لهم المداناة ثم ذكر سبب وصولهم اليها فقال { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } اى باذلين وجودهم لله شوقا الى الله ثم زاد فى وصفهم بانهم باتوا فى ظلم الليالى لتفقدا الواردات وطلب المكاشفة بقوله { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } يهددوا فى اجواف الليالى بطيب مناجاتهم وحلاوة من مراقباتهم ولذة انبساطهم وعربدتهم على بساط الاحتشام حيث يسمعون لطائف الالهام والخطاب والكلام فيا لها من عبراتهم ويا لها من زفراتهم ويا لها من شهقاتهم ويا لها من لذة تلفظهم بالشطحيات وغرائب الكلمات الاهليات وهذا من كمال عشقهم وغلبات محبتهم وشقهم لا يقدرون ان يناموا فى مضاجعهم من لذة الانس بالله ووجدان قرة عيونهم من نور مشاهدته حيث قال فى وصفهم فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين اين انت اي صاحبى من سقوطهم وتمرغهم فى التراب لو رايت عيونهم الباكية لترى فيها دمار اكبادهم الله يعمل اسرارهم حيث هيجهم بشوقه وعشقه الى قربه حتى لم يناموا على فرشهم مثل البطالين والغافلين وانشد نهارى نهار الناس حتى اذا ابدا الى الليل هزتنى اليك المضاجع اقصى نهارى بالحديث والمنى ويجمعنى والهم بالليل جامع ثم وصفهم بالله بأنهم مستغفرون بالاسحار وذلك انهم اذا رجعوا من مقام المشاهدة الى مقام المراقبة يستغفرون الله من الزلات والخطرات قبل المداناة وعبد المكاشفات من المعارضات بقوله { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ثم زاد فى وصفهم انهم بذلوا مالهم فى سبيل الله لمن سأل منهم ولمن لم يسأل بقوله { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } قال سهل المتقى فى الدنيا فى جنات الرضا ينقلب وفى عيون الانس يسبح وقال فى قوله كاتوا قليلا من الليل ما يهجعون لا يغفلون عن الذكر فى حال وقال بعضهم ذاقوا حلاوة الانس فى الذكر فتهجدوا وهجروا النوم وقاموا اناء الليل النهار طالبين مرضاته متطلعين الى ما يرد عليهم من زوايد مناجاته وفوايده وقال الاستاذ الليل اما للاحباب فى انس المناجاة واما للعصاة فى طلب النجاة والسهر لهم فى لياليهم اما لفرط اسف ولشدة لهم واما للاشتياق والفراق كما قالوا

كم ليلة فيك لا صباح لها اقينتها قابضا كبدى
وقعد غضت العين بالدموع وقد وضعت خدى على بنان يديى

واما الكمال انس وطيب روح كما قالوا

شقى الله عيشا قصيرا مضى زمان الصبى فى الهوى والمحون
لياليه يحكى انسداد اللحاظ عنهم للعين عند ارتداد الجفون

وقال بعضهم السائل المفضح والمحروم المتعرض وقال الاستاذ السائل المتكفف والمحروم المتعفف.