التفاسير

< >
عرض

كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ
٢٦
-الرحمن

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } لو تطرق بنظر التحقيق فى الكون واهله رايت حقيقة فنائه وفناء اهله وان كان فى الظاهر على رسم الوجود لان من يكون قيامه بغيره فهو فان فى الحقيقة اذ لا يقوم بنفسه وكيف الحدث يقوم بنفس ولا نفس له فى الحقيقة فان الوجود الحقيقى وجود القدم لذلك اثنى على نفسه بقوله { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } وحقيقة البقاء لمن لا يزال باقيا قديما ومن كان اوله عدما وأخره عدما وجوده بخلاف من كان اوله قدما وأخره بقاء اذا شاهدت مشاهدة الحق ترى الحق قائما بنفسه وترى الاشياء قائمة به فقد علمت هناك حقيقة الفناء والبقاء وحقيقة الوجود والعدم عرف الله سبحانه قدمه وبقائه خلقه بفناء الدنيا واهلها ليتحققوا فى معرفته لان من دخل فى البقاء بغير دخوله فى الفناء لم يعرف حقيقة البقاء سئل الجنيد عن قوله كل من عليها فان قال من كان بين طرفى فناء فهو فان وذكره جلاله ووجهه الباقى تسلية لقلوب المشتاقين وترويح لفواد الموحدين والعارفين انا ابقى لكن ابدلا الا تغتموا فان لكم ما وجدتم فى الدنيا من كشف جمالى وتيسر مد ذلك لكم بلا حجاب ابدا ايها العاشقون استبشروا ببقائى وافرحوا بلقائى وفيه دقيقة واشارة الى حبيبه اى كلهم استمتعوا بتجلائى وكشف الوجه باق لك اذا رايت وجهى خاصة لك ثم العشاق اتباعك فى النظر الى وجهى فاول الكشف لك ثم للعموم فذكر الوجه خاصة وهو صفة خاصة لاهل الخصوص وان كان وجود القدم جميعه وجها الا ترى كيف قال عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى يتجلى لابى بكر خاصة ويتجلى للمؤمنين عامة وذكر الجلال تهيج لاهل المحبة والهيمة قال الواسطى الذى اخفى من شاهده لخاصة لا يظهره للعوام فسئل فرق بين الدارين قال نعم اعطاهم فى الدنيا على السراير واعطاهم فى الأخرة على الظواهر استتر فى الدنيا بما اظهر من عجايبه واستتر فى الأخرة بما اظهر على اقدارهم وهو الذى لا يطيقه الخلق الا على من تولاه باسبال تغيب عن شاهده نظرت بافهم فى مقام التوحيد الى تلاشى الكون فى ظهور جلال وجهه تعالى ورايت فناه فى بقاءه حين ظهر وذلك لغلبة سلطان اشراق نور القدم على وجود الحدث وذلك حين غاب العارف فى المعروف ولا يدري اين هو اذ لا أين ولا هو الا هو.