التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
١٩
-الحشر

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } حذر الله المؤمنين عما قبل هذه الأية بقوله يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد من تضييع العبودية والتفريط فى مباشرة الشهوات التى حجبتهم عن الله ثم زاد التخويف فى الأية الثانية وامرهم بان لا يكونوا كالذين نسوا الله حيث اشتغلوا بنفاذ شهواتهم وطلبهم حظوظ انفسهم من رؤية الملكوت ونسوا طيب العيش مع الله وروح الانس فى مشاهدة الله وسكنوا منه بحفظ النفس فلما وجدهم الله ساكنين عنه مستغلين بغيره فانساهم القسم حيث لا يعرفونها ولا يعرفون طريق رشدها ووصولها الى معادن الاول ولا يرشدهم طريق المأب اليه واى شئ اعظم شقاوة ممن احتجب بنفسه عن الله قال سهل نسوا الله عند الذنوب فانساهم الله الاعتذار وطلب التوبة وقد وقع لى نكتة بان الاشارة فى الحقيقة الى المتحدثين والمتصفين الذين غلب عليهم سكر الانانية وراوا وجودهم فى عين الجمع فمن حدة السكر خرجوا بدعوى الانانية وذلك بان رؤية الصفة فيهم غلبت على روية الذات فبقوا فى رؤية الصفات عن رؤية الذات ثم وقعوا فى نور الفعل وبقوا عن رؤية الصفة فطابت قلوبهم بالشطارة ودعوى الانانية وهذا مقام المكر فلما سكنوا فى هذا المقام ولم يرتقوا الى مدارج الفردانية انساهم الله انفسهم الحديثة حتى لم يروها فى البين فبقوا بانانيتهم عن رؤية الحق ولولا انساء الله اياهم انفسهم لوجدوا مقام العبودية اعلى مما هم فيه اذ فيه افارد القدم عن الحدوث وحقيقة صرف التوحيد وهو مقام النبى صلى الله عليه وسلم حين عبر عن هذا المقام ولم يتعلق ذيل همته بحظ الالباس والمحبة ووصل الى رؤية الاحدية واختيار العبودية بقوله انا العبد لا اله الا الله.