التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٥٢
-الأنعام

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } بين الله سبحانه فى هذه الأية تخصيص الولاية بعد تخصيصه النبوة والرسالة وصرح فى بيانه ان الولاية اصطفايته محضة كما ان النبوة والرسالة اصطفائية محضة لا يتعلقان بسبب من الاسباب من العرش الى الثرى وكما انه تعالى احب الانبياء والرسل كذلك احب الاولياء والاصفياء محبة بلا علة وكما ان الله سبحانه خص نبينا محمد صلى الله عليه وأله وسلم بالرسالة بغير علة اصحابه. وجميع الخلائق من الجن والانس والملك كذلك خص اصحابه بشرف الولاية بغير سبب من جهته ولا جهد من جهده وصحة ذلك قوله تعالى { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } بل كما سبق فى الازل العناية له بالرسالة كذلك سبقت لهم فى الازل بالولاية كذلك وقعت لهم الصحبة والموافقة من جهة تلك الاهلية اتبعوه وقبلوا امره ووضعوا رقابهم تحت قدمه ولولا تلك العناية الازلية كان حالهم كما لهؤلاء الاعداء لكن ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فمن الله على نبيه عليه السلام بتائيده ونصر اصحابه له بقوله هو الذى ايدك بنصره بالمؤمنين ولما بلغ شرفهم الى هذه المرتبة وصى الله نبيه عليه السلام بمارعاتهم ورعاية حالهم وتربيتهم وعاتبه فى الأية لاجلهم بقوله ولا تطرد الذين يدعون ربهم الأية اى لا منع هؤلاء من صحبتك ولو كان لحظة لاجل حرضك باسلام الباطلين فان هدايتهم عندى وانك لا تهدى من احببت من اقربائك ولكن الله يهدى من يشاء من هؤلاء الفقراء مثل بلال وصهيب وسلمان وعمار وحذيفة والمقدارد ونظرائهم من اصحاب الصفة الذين يدعون الله لوصولهم اليه عند كل سباح ومساء لشوقهم الى جماله ومحبته اللحوق منه وهذا معنى قوله يريدون وجهه وخص الغداة العشى بالدعاء لا بخلال ذيال الظلام من النهار بالغداة وبخلال اذيال الضياء من الظلام بالعشى ولان هناك ظهور تجلى القدرة جلال العظمة وهناك تكون ساعة بسحاب الدعوة فيها وايضا يدعون الله بنعت النفاء فى شوق جماله عند طلوغ كل سبح من انوار تجلى صفاته فى قلوبهم عند كل نفس لان عند تنفس كل نفس من العارف يكون صبحا من ظهور بركة مشاهدته هناك يودعون يستريدون محبته وشوقه وقرب مشاهدته هناك ويدعون عند كل واراد عشيان الاحوال على قلوبهم بنعت الحيرة فى عظمته لان ظهور تراكم سحائب العظمة وضباب الكبرياء وبعد كل نفس بنفس العارف يكون عشى الحال وليال الوصال كانهم كانوا يدعون الله فى جميع اناسهم لقاءه لارادتهم احتراقهم فى انوار وجهه تعالى وعلق الدعاء بالوقتين لانهم هناك سكنوا من غلية الواردات وطوارق الحالات فلما سكنوا فى تلك الساعات ضاقت صدروهم ودعوا الله بارجاعهم الى السكر بعد الصحو والى حضورهم بعد الغيبة الا ترى الى قوله تريديون وجهه وصفهم ابلارادة مع كما لهم فى المعرفة لأن الكامل يرجع عند كل نفس من مقام النهاية الى مقام البداية لان هناك منزل النكرة من ظهور انوار فاق القدم وبرور سناء بطون الازل وكشف غيوب الاباد فراوا من سطوات الذات الى نور الصفات لان هناك مقام المعرفة ورؤية الذات مقام النكرة ففرارهم من النكرة الى المعرفة ومن النهاية الى البداية الا ترى الى قول الصديق رضى الله عنه كيف قال سبحانه من لم يجعل سبيلا الى معرفته الا بالعجز عن معرتفه وسئل عن بعض العارفين ما النهايات قال الرجوع الى البدايات وخص الله سبحانه ارادتهم وجهه لان الوجه صفة ازلية من خواص صافته المتشابهة وهو معدن جلاله وحمله يتجلى بنور وجهه لقلوب العاشقين والمشتاقين والمحبين وذكر الوجه خاصة لان القوم فى مقام العشق والمحبة والشوق ولذلك علقهم بمقام المتشابه لوقوع الاحوال والمكاشفات علىمقام الالتباس لما كان حالهم العشق وصفهم بالارادة وعلقهم بصفة من صفاه لان العاشقين فى جنب العارفين والموحدين كقطرات فى البحار ولو كانوا على محل النهايات ما وصفهم بالارادة ولا علقهم بصفة واحدة من جميع صفاته لان العارف خرج من مقام الارادة التى توجب العبودية الى مقام الحقيقة التى توجب الربوبية ولو كانوا على حد الكمال وصفهم بطلب الذات والصفات وما وصفهم بطلب صفة واحدة من جميع صفاته وقال فى موضع قوله تعالى يريدون وجهه اى يريدون الله لان اسم الله عن الكل وعي الجمع وايضا وصفهم بارادة وجهه ووجهه سبحانه عن اشارة التشبيه والتعطيل مندرج تحته جميع الصفات من السمع والبصر والكلام ويتعلق به جميع الصفات واراد بالوجه عين الكل وجهة اى ذاته وصفاته الا ترى الى قوله كل شئ هالك الا وجهه اى الا نفسه وقوله { { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } اى ذاته وصفاته كذا قالوا اهل التفسير لظاهر فاذا كان كذلك كان القوم يريدون الله بجميع ذاته وصفاته بوصف المحبة والشوق كانوا يريدونه بانه تعالى يعرفهم نفسه بنعت مباشره تجلية قلوبهم وهاذ مقام قد استاثره الله لنفسه الا لاحد غيره لانه تعالى عرف نفسه لاسواه غلبت عليهم لذة قربه وخطابه فاراد واكشف كنه القدم كما غلب على موسى حين سأل هذا المقام بعد وقه ولذة كلامه تعالى بقوله ارنى انظر اليك لما اراه بالواسطئ وحرمن سطوات القدم وافقا بنور البقاء فلم ير للحدثان فى جنات القدم اثر تاب عن سواله فقال تبت اليك واماو انا اول المؤمنين ان لا اعرفكم كما انت وهذا مقام النبى صلى الله عليه وسلم بعد ان رأه صرفا حيث اقل الا احصى صناء عليك انت كما اثنيت على نفسك فلما علم سبحانه ذلك منهم امرهم لاستغفار وطلب العفو كما اخبر عنهم بقوله ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا ابو يعقوب النهر جورى عن المريد فقال صفته فاذكر الله فى كتابه ولا تطرد الذين يدعون رهم وهو دوام ذكروا اخلاص عمل اوصى بهذه الأية كابرهم فى التعطف علهيم والصفح عن زللهم قال بعضهم يدعونه شوقا اليه واعتماد عليه لم يشغلهم شاغل ولم يصدهم عن خدمته صادف قائمون على ما به من الخدمة والعبودية منتظرون زوائد بركاته عليهم ولى اشارة ارخرى ان الله تعالى وصف حضورهم بالغداوة والعشى اى حضروا فى الحضرة بالغداة بعزم خدمته الى العشى وحضروا بالعشى بعزم خدمته الى الغداة حتى يكون وقاتهم مسرمدة بغير فترة والاشارة فيه لما وصفهم بالحضور نفى عنهم بدليل الخطاب جميع اشغال الدنيا اى كانوا رجال لمراقبة والحضور والمشاهدة لاتشغلهم من الله شاغل طرفه عين كما وصفهم فى موضع أخر بقوله رجال لا تلهيهيم بحارة ولا بيع عن ذكر الله وايضا فيه لطيفة وصفهم بالحضور بالغداة والعشى على تسرمد الاحوال لترويحهم سيوغات بالاحكام الطاهرة وهذا شفقة من الله لكيلا يحرقهم نيران محبتهم ويزيلهم حدة ارادتهم يقال اصبحوا ولا سوال لهم من دنياهم ولا مطالبة عن عقابهم ولا همة سوى حديث مولاهم فلما تجردوا الله تمحضت عناية الحق لهم فتولى حديثهم وقال ولا تطردهم يا محمد ثم قال ما عليك من حسابهم من شئ الفقي خفيف الحال لا يكون على احد منه كثير مؤنة.