التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
١٠
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ
١١
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
١٢
قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ
١٣
قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٤
قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ
١٥
قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
١٦
ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
١٧
-الأعراف

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } من الله على عباده بتمكينهم فى الارض بنعت لتسهيل عباداته حيث يسر لهم عبودتيه قدرة خلقها فيمم بعد ان كلفهم ذلك وجعل فيه الابدانهم معايش الغداء ولقلوبهم معايش الذكر ولعقولهم معايش التفكر ولاراحهم معياش روح روية ظهور جلاله فى ملكوت الارض ومن كل زهرة وحضرة لعرفان المنعم القديم بنعت ععجزهم فى شكره ثم زاد امتنانه عليهم بانه تعالى اجادهم باظرف الخلق والطفه واحسن الصّور واكرمها بقوله { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } اى خلقنا اشباحكم جمعا فى أدم مث ورناكم فى حواء وايضا خلقكم هياكل وصورناكم ارواحا وايضا خلقناكم بالافعال وصورناكم بالصفات وايضا خلقناكم خلقكم بالامر ثم صورناكم بظهور تجلى الصفات لكلم فوقوع تلجى بروز الصفات فتكونت الصور بنعوت الصفات وتكونت الهياكل بنعوت الافعال وتكونت الارواح من تجلى الذات فيكون الجميع صاردة من القدم بنعت القدم الا ترى كيف اشار عليه السلام فيه الى سر المتشابهات حيث قال خلق الله أدم على صورته فجعل للاشباح طريق العبودية وجعل للارواح طريق عرفان الربوبية وجعل للعقول طريق الملكوت وجعل القلوب طريق الجبروت وجل للاسرار طريق القدم والبقاء قال بعضهم ابدع الله الهياكل واظهرها على اخلاق شتى وصورة مختلفة وجعل لكل شئ منها عيشا فعيش القلوب فى الشهر وعيش الفنوس فى الوجود وعيش العبد معبوده وعيش الحواس الاخلال ويعش الأخرة العمل وعيش الدنيا الجهل الامارة والاغترار بها ولما صور الجميع فى أدم بصورة أدم وصور أدم بصروة الصفات المنزهة عن المشابهة بالحدثان ههنا علما لا رسما وههنا عشقا لا شباهها احدية وتوحيد وجمعا وتفرقة لا تشبيها ولا تعطيلا زنية بنور الصفات ونعت الافعال ثم كساه انوار الذات ثم قال للملائكة اسجدوا له بقوله تعالى { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُوۤاْ } لانه قبله تجلى الصفات والذات وهو مصور بصروة الملك فى الملكوت قلبه موضع استواه انورا الذات وصورته موضع استواء انوار الصفات وهيكلة موضع استواء انورا الافعال ورحه موضع استواء انوار المحبة وسره موضع استواء انوار العلم والمعرفة اسجوا لأدم فانه لكم واسطة فى العبودية لا معرفة الربوبية واسطة فى العبادة فانه يبق بكم فان فى عبادتى لا يليق الكون ومن فيه وما فيه اظهر اتسغناه عن عبودتيه الخلق لكمن ادخل عشاق الملائكة فى مقام المحبة والعشق فتجلى لهم بنور جماله من مراه وجه أدم ليغتر قلوبهم بلذة المحبة والعشق ولو انزل لهم انوار صفاته وذاته صرفا احترقوا فى اول ابدا من نور الالوهية ولم يسجد ابليس لانه كان محجوبا من ذلك الجلال والجمال بنظره الى نفسه وقياسه بجهله وكذا من نظر من الحق الى النفس احتجب بها عن رب النفس قوله { إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } اى لم يكن من اهل شهود الصفات ورؤية جلال الذات قال ابو حفص عرف الملائكة استغناءه عن عبادتهم قال اسجدوا لأدم ولو كان سجودهم يزن عنده مثقال ذرة لما ارمهم بذلك ولا صرف وجوههم الى أدم قال سجود الملائكة وجيمع خلقه لا يزيد فى ملكه لانه عزيز قبل ان خلقهم وعزيزبعد ان يفنيهم وعزيز حين يبعثهم ثم غير ابليس بامتناعه عن السجود لأدم وقةل عرفانه شرفه بقوله { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } اى اىّ شئ يمنعك من متابعة امرى ولم يبق لى البين غيرى اى يمنعك من ذلك قهر سابق منى عليك وخذلان وارد فى المشية عليك والا فمن الحدثان بامتناعها عن متابعة امرى وليس لها قدرة ولا مشية وكلها عاجزة فى قبضة قهرى ومن سبق له الشفاء لا يسبق بالمراد وان كان جميع عباده الثقلين مصحوبا معه فى استباقه الى الحضرة قال الواسطى من استصحب كل نسك فى الدنيا والأخرى الجهل فطنه والاعتراض عرضه والبعد من الله سببه لا يقرب منه لان العبادات تقطع عن الرعايات ورؤية النسك رؤية الافعال والنفوس ولا متوثب على اله اشد ممن طالع نفسه بعين الرضا فلما كلهم الله ابليس بكلام التعبير وقهر السلطنة البسه من خطابه قدرة فى الجواب ولولا لباس الحق اياه كان مبهوتا عند وارد قهر الخطاب عليه ولم ينطق بجواب الامر ولكن اجابه الاختيار وذلك قوله تعالى { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } لما راى الملعون لباس قهر خطاب الحق عليه قال بقوته انا ولولا ذلك لما قال انا واين انائيته وكان هباء فى انائيته وكان هباء فى انائيته الحق نظر الملعون الى جوهر النار لصادر من قهر العدم فانتسب الى قهر القدم قال انا خير منه ولم ينظر بنظر المعرفة الى الطين الذى صدر من لطف القدم ورحة الازلية النار من غضبه وطين من رحمته والرحمة سابقة على الغضب لقوله سبحانه سبقت رحمتى غضبى نظر الى صفة واحدة ولم ينظر الى صفة اخرى فاحتجب بالصفة عن الصفة فقال انا خير منه ولو راى مصدر جميع الصفات لذاب تحت روية الكبرياء وانوار العظمة ولم يكن بعد فنائه ابدا لان من عرف وصف القدم صار عدما فى القدم والو راى الملعون من وجه ادم ما راى الملائكة ما قال انا خير منه كان جاهلا به والملائكة كانوا عاشقين به غلط فى قياسه ورؤيته الى نفسه واين النار من الطين الذى يقبض قرض الطاف العزة ومخلوق يدا الصفة الخالصة ومنبت اجسام الانبياء والرسل والاولياء والصديقين ومنبت اغذية الخلائق ومرجع الكل وهو بريقة الاجسام والارواح فى العالم ليخرج منه سباتك القدس لمجالس الانس والنار عذاب قهره مجازى بها من خلقه نار يا كابليس وجنوده قوته من اصله الذى كان منه كان من نار اللعنة فعداه باللعنة قال وان عليك اللعنة كل شئ يرجع الى اصله كان جاهلا بظاهر العلم بعد ان كان جاهلا بباطن العلم ولولا ذلك لم يسلك طريق القياس عند وقوع النص والنص غالب على القياس من جميع الجهات قال بعضهم لما نظر الى الجوهر ولعبادة توهم المسكين انه خير فسبب فاسد النفوس من رؤية الطاعة وقيل توهم ان الجواهر من الكون على مثله وكشله فى الخلقو فضل من جهة الخلقة والجوهرية ولم يعلم ولم يتقن ان الفضل من المتفضل دون الجوهرية وقال الواسطى من لبس قميص النسك خامره انا لذلك قال ابليس انا خير منه ولو لم يقل خير منه لاهلكه قوله فى المقابلة انا قال ابن عطا حجب ابليس بروية الفخر بنفسه عن التعظيم ولو راى تعظيم الحق لم يعظم غيره لان الحق اذا استولى على سر قهره فلم يترك فيه فضلا لغيره ولما راى الملعون فضل أدم وذريته بالعلم الاسمائى وعرفان الصفاتى والمسابقة على اكل بعنايته الازلية حسد عليهم وخرج على عداوتهم بعد طرده من باب الرحم وتجاسر بجهلهل فى مقابلة الحضرة بالمخاطبة بقوله { فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } ههنا قسم اى بارادتك السابقة فى اغوائك اى لاقعدن لهم صراطك المستقيم كما قال فبعزتك اى بما البتنى لباس قهرك فى الازل اقدرك اقعد فى طريقك المستقيم والا فلا قدران امرتهم فى وراء العالم بقوة قهرك فى الازل وسواس فى صدروهم الى هى طريقك المسقيم الذى يسالك فيه عساكر انوار تجلاك وفى قوله لهم نكتة عجيبة اى لاقعدن لهم لاعلمهم فان وسوستى لم تزيد شرفهم عند احساننى عند صدورهم بنعت اياسى عن الظفر بهم ويتصرح هناك ايمانهم وايقانهم عن نعوت الاضطراب وطوارق الوسواس وغبرا الشك الا ترى الى قوله عليه السلام حين شكاه اصحابه عما وجدا فى صدورهم من الوسوسة فاشار عليه السلام بقوله ذاك صريح الايمان قال محمد بن عيسى الهاشمى لو نجا ابليس بشئ لنجا رؤية القدرة عليه والاقرار على نفسه بقوله رب بما اغويتنى ثم زاد الجرأة بقوله { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } اى من بين ايديهم من جهت النفس والهوى ومن خلفهم من جهت الشهوة والمنى وعن اميانهم من طريق الدعوى عن شمائلهم من طريق اظهارهم الشكوى فى البلوى وايضا من بين ايديهم من طريق الطاعات ومن خلفم من طريق رؤية الاعواض وعن ايمانهم من طريق العلم وعن شمائهم من طريق الجهل وايضا من بين ايديهم من طريق القلب ومن خلفهم من طريق العقل وعن ايمانهم من طريق الروح وعن شمائلهم من طريق الصورة والنفس وايضا من بين ايديهم من طريق الاسلام ومن خلفهم من طريق الايمان وعن ايمانهم من طريق العرفان وعن شمائهلم من طريق الايقان لم يذكر الفوق والتحت لان التحت موضع الفناء فى العبودية عند السجود الذى يوجب القربة وذلك السجود شهود والشهود محل رعاية الحق ولا يقدر ان تمر على باب احد دونه والفرق محل الكشف والمشاهدة واراد التجلى وظهور سبحات وجه القدم ولودنا منه جميع الشياطين من العرش الى الثرى بقدر اسارره لاحترقوا فى اقل لمحة قال ابو عثمان المغربى ان الشيطان ياتى الانسان عن يمين الطاعات من بين يدى الامانى والكرامات ومن خلفه بالضلالات والبدع ومن يساره باشرك فاذا جرى بعبد سعادة قبل منهم ما يامرونه من الطاعات فاذا اراد وان يهلكوه بطاعته رد الى السعادة التى جرت له فيكون ذلك ربحا وزيادة الا تراه بقوله ثم لاتينهم من بين ايديهم الأية قال والا تجد اكثرهم شاكرين فالاكثر من هلك بطاعته والاقل من ادركته السعادة فنجا قال الشبلى لم يقل من فوقهم ولا من يتحتهم لان الفوق موضع نظر الملك الى قلوب العارفين والتحت مواضع الساجدين وموضع نظره وموضع عبادتهم لا يكون الشيطان هناك موضع ولا فيه طرق.