التفاسير

< >
عرض

وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
١٠
إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ
١١
-الأنفال

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ } امداد الملائكة بشارة لصدق مواعيد الطمأنينة قلوب عباده بانوار بقائه وصورة البرهان يكون بضعف الايقان ولو كان الايقان على حد الاستكمال بالعرفان لم يتعلق الطمأنينة بالبرهان فلما غر فى حلاله وكبريائه صرف عيون القوم عن الوسايط الى عز جلاله بقوله { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } نصره كشف انوار مشاهدته للارواح السكرانة بشراب شوقه يظفرها بوصله لانهزام جنود قهرياته من ساحات لطفه قيل بين الله اثار النصرة وبدو السلامة فمن يطلب النصرة ولاسلامة فمن بالذلة والافتقار لا ينالها لان طلب النصر بالقوة والقدرة منازعة للربوبية ومعهم نازع المولى قهره ثم تعزز بعزته فى نصرة اوليائه عند تبريهم من حولهم وقوتهم بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } عزيز بامتناعه عن مطالعة خللقه جلاله وجماله بعلة من العلل حكيم باختصاصه مقاومة وكشف قربه لهم قال الواسطى العزيز الذى لا يدركه طالبوه ولو ادركوه لذل وقال الاستاذ فى قوله عزيزنا يطالب لكن بعطائه والراغب واصل ولكن الى مبارّه والسبيل سهل ولكن الى وجدان لطفه فاما الحق سبحانه فهو عزيز من كل وصل وفصل وقرب وبعد ما وصل الى نصيبه وما بقى احد الا عن حطه وانشدب وقلق لنا نحن الاهلة انما تضى لم يسرى بليل ولا نفرى به فلا بذل الا ما تزود ناظري به ولا وصل الا بالخيال الذي سرى به ثم وصف سبحانه زيادة امتنانه عليهم بعد نصرهم ونيلهم الى مرادهم بعد ان اراح ابدانهم من وجع الالام وقلوبهم عن كذا القبض بانزاله عليهم النعاس بقوله { يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } النعاس ارتفاع بخار الدم من حرمة القلب الى الدماغ فى اصل الحكمة لاستراحة اعصاب الدماغ وقت استرخائها من حدة مشاغل تنفس انفاس الدموية المختلطة برطوبات صفاء البلغمية وليس ذلك يقوى فاذا حاج ذلك الدم من أصل الكبد والقلب ومشرعة المعدة وارتفع الى الدماغ يختلط هناك برطوبات الدماغ فيصير ثقيلا فيسقط ثقله الى القلب وصار الدماغ والقلب ثقيلا ويجرى ذلك الثقل فى جميع العروق فيصير جميع الاعضاء مسترخيا من غشيات ذلك الدم ويقلب على العقل والحواس فيسمى ذلك بعينه النوم وهذه الصفات صفة حيوانية انسانية نفى الله تلك الصفة عن جلال ذاته حيث وصف نفسه بالتنزيه والتقديس عن علة الحدثان بقوله لا تاخذه سنة ولا نوم ومن فضله وكرمه على اوليائه اذ اراد ان يروح ابدان الصديقين من ثقل العبادات يغشى دماغهم بعفوه النعاس ليستريحوا من برجاء القبض ويسكنوا بروح البسط ثم النعاس موضع ظهور او اصل اشكال المكاشفات واشتمال هواتف الغيبية من عالم الملكوت يرون بقلوبهم بين النعاس والنوم واليقظة اشياء بديهية غيبية تورث السكينة والطمأنينة ولا من بقولة امنة منه اى امنا منه من زيادة الامتهان وغلبة النفس والشيطان قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه النعاس فى القتال امنة من الله وفى الصلوة من الشيطان وكان النبى صلى الله عليه وسلم نومه نعاسا لذلك قال تنام عيناى ولا ينام قلبى لان القلب اذا نام لم يؤمن عالم الملكوت شيئا وهكذا حال الاولياء قلوبهم فى جميع الاوقات يقظانه ونومهم ليس بكثير وكل قلب يرى فى نومه شيئا من الغيب لم يكن فى ذلك الوقت الا نعاس قال سهل النعاس ينزل من الدماغ والقلب والنوم محل بالقلب من الظاهر وهو حكم النوم وحكم النعاس حكم الروح وفائدة النعاس ههنا اعلام الله اياهم ان فيض كرمه ليس باكتسابهم افناهم عن نفسه ثم اظهر فضله عليهم بان يهزم عدوهم بالقائد عساكر الرعب فى قلوبهم قال عليه السّلام نصرت بالرعب واذا برى العبد من حوله وقوته يجئ نصر الله له فيظفر بجميع مراده ثم من الله علوم بانزاله رحمته من السّماء عليه بقوله { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } الماء الطاهر يطهر الاشباح وماء المعرفة يطهر الارواح ويعرفها مكان كل حقيقة من عين الفعل والصفة فاذا عرفت الافعال والصفات عرفت الذات فمثالها مثال الاصداف البحار === اصداف بحار الافعال تتلقف قطرات عرفان الصفات من بحار الذات كما يتلقف الاصداف فى البحار من قطرة الأمطار فتصير القطرة فى اجوافها درّا فكذلك قطرة المعرفة فى جوف الارواح تصير درّة الحقيقة والحكمة الالهية الازلية قال بعضهم ماء اليقين اذا نزل على الاسرار اسقط عنها الاحتلاج والشك قال الله وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به من كل ما تدنستم به من انواع المخالفات ثم وصف ذلك الماء الحقيقي بان يربط به قلوبهم فى معرفة العبودية والربوبية وهو ماء اليقين الذى يقوى القلوب فى معرفة الله ويثبتها بوصف التمكين والاستقامة فى سيرها فى المقامات بقوله { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } نفس عن قلوبهم وحشة الفرقة واثبتها فى رؤية الوصلة وتجلى القربة ربط ابدانهم بالطاعات وربط عقولهم بالايات وربط قلوبهم بانوار الصفات وربط ارواحهم فى سطوات الذات وربط اسرارهم بعلوم الازل ولاباه ثم اخذ ايديهم من استغراقهم فيه بنعت الفناء وثبتهم به فى مقام البقاء ولولا تثبيته وارباطه اياهم لفنوا فى اوّل باد بدأ من ربوبيته واول ظهور وسطوة من سطوات عظمته كانوا يحتملون به ومشاهدته قهر سلطان عزته قال بعضهم ربط على قلوب اوليائه لتلقى البلاء باسلحة الصبر وربط على قلوب العارفين لثبات الاسرار فى مشاهدة ما يبدو لهم من الغيوب ويثبت اقدام اهل الاستقامة فاستقاموا له على جميع الاحوال ولم يزالوا قال بعضهم القلوب ثلثة قلب مربوط باكوان وقلب مربوط بالاسامى والصفات وقلب مربوط بالحق.