التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ
٢١
إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ
٢٢
وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
-الأنفال

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } حذر الله الصادقين عن دعاوى الباطل التى لم يكن معرف المعنى فان استماع الظاهر بغير فهم ومتابعة امر فهو سماع غفلة ثم وصف هؤلاء المدعين بانهم اغفل من الحيوان بقوله { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُون } الصم عن استماع هواتف الغيب والبكم عن الشر فضائل المعرفة ووصف المعروف بنشاط المعرفة ورؤية المشاهدة وذلك ميراث جهاليهم بانفسهم ومعرفة صانعهم من طريق العقل والعلم فى كل موضع العقل هناك امير البدن لا تقبل عن صاحبه الا النظر الى الحق والسماع من الحق ووالقول بالحق قال بعضهم من سمع ولم يوثر عليه فوائد السماع وزوائده فى احواله فهو غير مستمع ولا سامع والمستمع على الحقيقة من رجع من حال السماع بزيادة فائدة او بزيادة حال ومن حضر مجالس السّماع ولم يرجع بزيادة فانما يرجع بنقصان قال الله ولا تكونوا كالذين قالوا لاية وقال بعضهم الصم عن السماع الذكر وفهم معانيه والبكم عن مداومة تلاوة الذكر وطلب الزيادة منه الذين لا يعقلون ما خوطبوا به وما خلقوا له وما هم صائرين اليه فى المآب وقال الاستاذ من صم عن ادراك ما خوطب به وسره وعمى عن شهود ما كوشف به قلبه وخرس عن اجابة ما ارشد اليه من مناجحة فهمه وعقله فدون رتبة البهائم قدره وفوق كل خسيس من حكم الله ذله وصغره ثم ان الله سبحانه اضاف حرمانهم من فهم الخطاب وادراكه حقائقه ومتابعة امره الى قسمة ازله ومشيته سابق حكمه بقوله { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُون } اى لو علم الله فى قلوبهم خير اصطفائيته الازلية لاسمعهم حقيقة خطابه وعرّفهم مكان مراده فيه ولكن ما داموا لم يكونوا مصطفين فى الازل الخيرية الاصطفائية ما اسمعهم لطائف كلامه وما عرّفهم مواضع انبائه العجيبة وحقائق حكمة الغريبة وبين انه تعالى لو اسمعهم خطابه بنعت ما وصفنا لم يدركه وهم معرضون عن متابعة امره لانهم محرومون فى الازل عن رؤية حسن حضرته وادراك اجتبائه قال يحيى بن معاذ ان هذا العلم الذى تسمعونه انما تسمعون الفاظه من العلماء ومعانيها من الله بأذان قلوبكم فاعملوا او تعقلوا ما تسمعون فان لم تعملوا كان ضر اقرب اليكم من نفعه قال بعضهم علامة الخير فى السماع لمن سمعه بفناء اوصافه نعوته وسمعه بحق من حق === سوابق القسمة لم يدنه لواحق الخدمة ولما وصف حرامان الزائغين عن الحق وعرفان الخطاب خاطب اهل ارادة المحبةودعاهم الى مشاهدته وقربه وطلب منهم إجابة دعوته بنعت متابعته ومتابعة رسوله بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } طيب ارواحهم بنسيم روائح قدس ندائه وفتح آذان قلوبهم بحلاوة دعاته وشوق اسرارهم بلذيذ خطابه وجعلهم مستبشرين بلطيف حكمه على وحدانهم انوار قربه الا ترى كيف قال يا ايّها الذين آمنوا لآية استجيبوا لله دعائه لا لانفسكم وحظوظكم وطلب اعواض اعمالكم استجيبوا ببذل ارواحكم واشباحكم لداعية الازل حيث دعاكم منه اليه قبل وقوع حد وثبتكم دعاكم بوصف السرمدية من محبته لكم وشوقه اليكم فاحبوه واشتاقوا اليه محبته وشوقه واستجيبوا للرسول بمتابعة امره فانه روح الصغرى من عالم الملكوت ادرك من روح الكبرى وهى نعوت الجبروت حيوة القدم يحييكم بروح الصغرى والكبرى وايضا ما يحييكم اى مشاهدة الازلية وقربته الابدية ومحبته الصفاتية ومعرفته الذاتية قال الجنيد فى هذه الايَة قرع اسماع فهو مهم حلاوة الدعوة وتنسموا روح ما ادّته اليهم الفهوم الظاهرة من الادناس فاسرعوا الى حذف العلائق المشغلة قلوب الموافقين ومعها وهجموا بالنفوس على معانقة الحذر وتجرعوا مراة المكايدة وصدقوا لله فى المعاملة وحسن الادب فيما توجهوا اليه وهانت عليهم المصيبات وعرفوا قدر ما يطلبون واغتنموا سلامة الاوقات === همومهم عن التقلب مذكور سوى وليّهم فحيوا حيوة الابد بالحى الذى لم يزل ولا يزال فهذا معنى قوله استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم وقال الواسطى فى قوله اذا دعاكم لما === تصفيتها من كل معلول لفظا وفعلا وقال جعفر اجيبوه الى الطاعة ليحيى بها قلوبكم وقال ايضا اذا دعاكم لما يحييكم الحيوة هى الحيوة بالله وهى المعرفة كما قال الله فنحيينه حياة طيبة وقال بعضهم استجيبوا لله بسرائركم وللرسول بظواهركم اذا دعاكم الى ما يحييكم حيوة النفوس بمتابعة الرسول وحيوة القلب بمشاهدة العيوب وهو الحياء من الله برؤية === وقال جعفر الصادق حيوة القلوب فى المعاشرة وحيوة الارواح فى المحبة وحيوة النفوس فى المتابعة ولما دعاهم الى مشاهدته بنعت الشوق عرفهم ان قلوبهم مسلوبة منهم بكشف جماله والقاء محبته ومعرفته فيها بقوله { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } اى قلوبكم معى فاتبعوا اثرها واطلبوها منى حتى اطهرها لكم منقلبات فى بحر الصفات والذات حابرات فى المشاهدات ساكرات بشراب القربات دانيات منى فانيات فى باقيات معى لو تعرفونها تعرفوني لذاك قال عليه السّلام من عرف نفسه فقد عرف ربه لانه نفس النفس وقلب القلب وروح الروح وعقل العقل وحيوة الحيوة ثم وصف عليه السلام تقلبها فى عيون الصفات بنعت البقاء وسباحتها فى بحار الذات بنعت الفناء بقوله القلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن قيل ان الله اشار الى قلوب احبابه ياخذها منهم ويجمعها لهم ويقلبها بصفاته كما قال النبى صلى الله عليه وسلم قلب ابن آدم بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء فيختمها بمخاتم المعرفة ويطبعها بطبائع الشوق وقيل يحول بين المرء وقلبه اى عقله وفهمه عن الله خطابه وقيل يحول بين المؤمن والايمان وبين الكافر والكفر يردهما الى الذى سبق لهم منه فى الازل ويقال حال بينهم وبين قلوبهم لئلا يكون لهم رجوع الا الى الله.