التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٢٨
فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ
١٢٩
-التوبة

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } اخبر سبحانه عن كريم ميلاده عليه السلام وعظيم ميعاده ومراده وشرف بها امته حيث اختاره منها باصطفائيته رسالته وعظم شانه والحمد لله الذى جعل طيبنته من طينتنا وشرف طينتنا حيث جعلها من طينته وخص جوهر روحه من ارواحنا وشرف ارواحنا حيث كانت مع روحه فى اول بديهة الامر من الله سبحانه واى كرامة اعظم كرامة من ان الله سبحانه جعل نبينا من انفسنا وارسل الينا بالرافة والرحمة واكرم خليقته حيث جعله رحمة للعالمين قال وانك لعلى خلق عظيم قال الخراز اثبت لنفسك خطرا حين قال رسول من انفسمك قال الحسين من اجلكم نفسا واعلامكم همت جاد بالكونين عوضاً عن الحق ما نظر الى الملكوت ولا الى السدرة ما زاغ البصر وما طغى قلبه عن موافقته قال ابن عطا نفسه موافقة لانفس الخلق خلقه ومبائنة لها حقيقة فانها نفس مقدسة بانوار النبوة مؤيدة بمشاهدة الحقائق ثابتة فى المحل الادنى والمقام الاعلى ما زاغ وما طغى ثم زاد فى وصفه بقوله { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } اشتد عليه مخالفتنا مع الحق ومتابعتنا هوناً واحتجابنا عن الحق قال بعضهم شق عليه ركوبكم مراكب الخلاف قال سهل شديد عليه غفلتكم عن الله ولو طرفة عين ثم زاد فى وصفه بقوله { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } اى حريص على محبتكم بمشاهدة الله ومعرفة صفاته وذاته وعلى متابعتكم امر الله رؤف برافة الله بالمؤمنين ورحيم رحمة من الله على الصادقين رؤف باهل الجنايات من المذنبين ورحيم على اهل الطاعات من المقصرين فيها تشفع لاهل الجنايات ويدعوا لاهل الطاعات وهذا من اتصافه بصفة الله حيث البسه انوار عنايته وزينه بلطفه وشفقته قال بعضهم فى قوله حريص عليكم اى على هدايتكم لو كانت الهداية اليه مشفق على من اتبعه ان ياتيه نزعة من نزعات الشيطان رحيم يستجلب برحمته له رحمة الله اياه وقال حريص عليكم ان تبلغوا محل اهل المعرفة قال جعفر الصادق علم الله عجز خلقه عن طاعته فعرفهم ذلك لكى تعلموا انهم لا ينالون الصفو من خدمته فاقام بينه وبينهم مخلوقاً من جنسهم فى الصورة فقال لقد جاءكم رسول الاية فالبسه من === الرافة والرحمة واخرجه الى الخلق سفيرا صادقاً وجعل طاعته طاعته ومرافقته موافقته فقال من يطع الرسول فقد اطاع الله ثم افرده عليه السلام لنفسه خاصة بعد ان كان من جنسهم بالصورة فآواه الى نفسه بشهوده عليه فى جميع انفاسه وسلى قلبى باغراضهم عن متابعته بقوله { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ } فى امر النبوة وشرف الرسالة وجماله حسبى عن الجملة وقربه ووصاله يكفينى عن بيع مراتب الثقلين لانه بوحدانيته منزه عن الاضداد فنزهنى عن صحبة الخيار بمشاهدة الانوار بوصفه لنفسه { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } اى لا غيرفي البين من العرش الى الثرى { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } لا على نفسى وغيرى فانه عماد المتوكلين وبه يثبت === الصادقين { وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } حيث البس العرش انوار قصيرة عظيماً بعظمته عظمته ولولا ذلك لذاب العرش في سبحات وجهه باقل لمحة.