التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ
٥
لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ
٦
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ
٧
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ
٨
-التكاثر

تفسير القرآن

{ كلا لو تعلمون علم اليقين } أي: لو ذقتم اللذات الحقيقية من العلوم اليقينية والإدراكات النورية المستعلية على هذه الحسيات والخياليات الفانية لكان ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والتحسر على فوات العمر العزيز فيها والذهول عنها بها { لترونّ الجحيم } أي: والله لترونّ بسبب احتجابكم بهذه المحسوسات نار جحيم الطبيعة الآثارية.
{ ثم } لتذوقنها عياناً يقينياً بالذوق والوجدان فوق العلم { ثم لتسئلنّ يومئذ عن النعيم } أي: شيء هو الدنيوي ولذاته الفانية الذي هذه عاقبته ومآله وتبعته، أم الأخروي الباقي أبداً على حاله الذي كنتم تنكرونه. ويجوز أن يكون قوله: { لترونّ الجحيم }، سادّاً مسدّ جواب لولا أنّ القسم والشرط إذا اجتمعا اتحد جوابهما معنى وخصّ بالقسم لفظاً سادّاً مسدّ جواب الشرط كقوله:
{ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام، الآية:121] أي: والله لو علمتم علم اليقين ووصلتم إلى مرتبته لرأيتم نار جحيم الطبيعة المخصوصة بالمحجوبين بهذه الرذائل من الانغماس في الشهوات واللذات الوهمية والخيالية والكمالات الحسيّة والبدنية التي غرزتم رؤوسكم فيها وتهالكتم عليها فانتهيتم عنها الانتهاء البالغ ثم ما وقفتم على مرتبة العلم اليقيني لوجدانكم ذوقه ومعرفتكم لذته وبقاءه وحسنه وشرفه وبهاءه وبقاء تبعة ما أنتم الآن فيه وفنائه وقبحه وخسّته ووباله، فترقيتم إلى رتبة العيان والمشاهدة، فعاينتم الحقائق على ما هي عليه من الأنوار القدسية والصفات الإلهية فشاهدتم بنور العيان حقيقة الجحيم ووبال هذه اللذات وما لها من آلام الهيئات وعذاب النيران والحرمان. { ثم لتسئلنّ يومئذ عن النعيم } أي شيء هو، أهذا الذي أنتم الآن فيه من النعيم الأخروي أم ذاك النعيم الدنيوي؟ أو لو تعلمون العلم اليقيني أيها المحجوبون بهذه الزخارف والخرافات لترون الجحيم من شدة الشوق واستيلاء نار العشق، ثم لترقون بذلك الشوق إلى رتبة عين اليقين والمشاهدة فترون حقيقة نار العشق عياناً، ثم لتسئلنّ بعد هذا الذوق عن النعيم الذي هو حق اليقين ما هو، أي: ثم لتجدنّ ذوق الوصول وأثر مرتبة حق اليقين فيمكنكم الإخبار عنها، والله تعالى أعلم.