التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَصْرِ
١
إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ
٢
إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ
٣
-العصر

تفسير القرآن

أقسم بالعصر أي: بامتداد بقاء الزمان وما فيه وما يحدث معه بمبدعه وعلّته الذي هو الدهر. الناس يضيفون تغيرات الأمور والأحوال إليه ويجعلونه مؤثراً فيه عقولهم: { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } [الجاثية، الآية:24]. والمؤثر بالحقيقة هو الله تعالى كما قال عليه السلام: "لا تسبّوا الدهر فإنّ الله هو الدهر" ، تعظيماً له لظهوره تعالى بصفاته وأفعاله في مظهره على أن المحجوب به عنه في خسر وهو الإنسان لخسارته برأس ماله الذي هو نور الفطرة والهداية الأصلية من الاستعداد الأزليّ باختيار الحياة الدنيا واللذات الفانية والاحتجاب بها وبالدهر وإضاعة الباقي في الفاني.
{ إلاَّ الذين آمنوا } بالله الإيمان العلمي اليقيني وعرفوا أن لا مؤثر إلا الله وبرزوا عن حجاب الدهر { وعملوا الصالحات } الباقيات من الفضائل والخيرات، أي: اكتسبوها فربحوا بزيادة النور الكمالي على النور الاستعدادي الذي هو رأس مالهم { وتواصوا بالحق } أي: الثابت الدائم الباقي على حاله أبداً من التوحيد والعدل، أي: التوحيد الذاتي والوصفي والفعلي فإنه الحق الثابت فحسب { وتواصوا بالصبر } معه وعليه عن كل ما سواه بالتمكين والاستقامة، فإن الوصول إلى الحق سهل. وأما البقاء عليه والصبر معه بالاستقامة في العبودية فأعزّ من الكبريت الأحمر والغراب الأبيض، فالفحوى أن نوع الإنسان في خسر إلا الكاملين في العلم والعمل، المكملين بهما. ويجوز أن يؤخذ العصر بمعنى المصدر من عصر يعصر أي: وعصر الله الإنسان بالبلاء والمجاهدة والرياضة حتى تصفو نقاوته، إن الإنسان الباقي مع الثفل الواقف مع حجاب البشرية في خسر إلا الذين اتصفوا بالعلم والعمل وتواصوا بالحق الثابت الذي هو الاعتقاد اليقيني اللازم للصفاوة الباقية بعد ذهاب الثفل وتواصوا بالصبر على العصر والانعصار بالبلاء والرياضة، ولهذا قال عليه السلام:
"البلاء موكل بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل" ، وقال: "البلاء سوط من سياط الله يسوق به عباده إليه" .