التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
١
مَلِكِ ٱلنَّاسِ
٢
إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ
٣
مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ
٤
ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ
٥
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
٦
-الناس

تفسير القرآن

{ قل أعوذ بربّ الناس } ربّ الناس هو الذات مع جميع الصفات لأن الإنسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتب الوجود ربّه الذي أوجده وأفاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع الأسماء بحسب البداية المعبر عنها بالله، ولهذا قال تعالى: { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص، الآية:75] بالمتقابلين من الصفات كاللطف والقهر والجمال والجلال الشاملين لجميعها تعوّذ بوجهه بعدما تعوّذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه السورة عن المعوّذة الأولى إذ فيها تعوّذ في مقام الصفات باسمه الهادي فهداه إلى ذاته.
ثم بيّن ربّ الناس بملك الناس على أنه عطف بيان لأن الملك هو الذي يملك رقابهم وأمورهم باعتبار حال فنائهم فيه من قوله:
{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر، الآية:16] فالملك بالحقيقة هو الواحد القهار الذي قهر كل شيء بظهوره ثم عطف عليه { إله الناس } لبيان حال بقائهم بعد الفناء لأن الإله هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات باعتبار النهاية. استعاذ بجنابه المطلق ففني فيه فظهر كونه ملكاً ثم ردّه إلى الوجود لمقام العبودية فكان معبوداً دائماً فتم استعاذته به.
{ من شرّ الوسواس } لأن الوسوسة تقتضي محلاً وجودياً كما قال: { الذي يوسوس في صدور الناس } ولا وجود في حال الفناء فلا صدور ولا وسواس ولا موسوس بل إن ظهر هناك تلوين بوجود الأنائية فقل: أعوذ بك منك، فلما صار معبوداً بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العابد كما كان أولاً موجوداً بوجوده. والوسواس اسم للوسوسة سمي به الموسوس لدوام وسوسته كأن نفسه وسواس، وإنما استعاذ منه بالإله دون بعض أسمائه كما في السورة الأولى لأن الشيطان هو الذي يقابل الرحمن ويستولي على الصورة الجمعية الإنسانية ويظهر في صور جميع الأسماء ويتمثل بها إلا بالله، فلم تكف الاستعاذة منه بالهادي والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوّذ من الاحتجاب والضلالة تعوّذ بربّ الفلق وها هنا تعوّذ بربّ الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام:
"من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثّل بي" . الخناس، أي: الرجّاع لأنه لا يوسوس إلا مع الغفلة وكلما تنبه العبد وذكر الله خنس فالخنوس عادة له كالوسواس. عن سعيد بن جبير: إذا ذكر الإنسان ربّه خنس الشيطان وولى، وإذا غفل وسوس إليه.
قوله: { من الجنة والناس } بيان للذي يوسوس، فإن الموسوس من الشيطان جنسان: جني غير محسوس كالوهم، وإنسي محسوس كالمضلين من أفراد الإنسان أما في صورة الهادي كقوله تعالى:
{ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } [الصافات، الآية:28] وأما في صورة غيره من صور الأسماء فلا يتم أيضاً الاستعاذة منه إلا بالله، والله العاصم.