التفاسير

< >
عرض

وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ
٨٤
قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ
٨٥
قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٨٦
يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٧
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ
٨٨
قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ
٨٩
قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٩٠
قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ
٩١
قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٩٢
-يوسف

تفسير القرآن

{ وتولى عنهم } أي: أعرض عن جانبهم وذُهِلَ عن حالهم، لحنينه إلى يوسف القلب وانجذابه إلى جهته.
{ وابْيضَّت عينَاه مِن الحزن } أولاً بوقوعه في غياهب الجبّ وكلال قوة بصيرته لفرط التأسف على فراقه ثم بترقيه عن طوره وفنائه في التوحيد وتخلفه عنه وعدم إدراكه لمقامه وكماله، فبقي بصره حسيراً غير بصير بحال يوسف { وهو كظيم } مملوء من فراقه. وقولهم: { تفتؤ تذكر يوسف } إشارة إلى شدّة حنينه ونزوعه وانجذابه إلى جهة القلب في تلك الحالة دونهم لشدة المناسبة بينهما في التجرّد والميل إلى العالم العلوي. وقوله: { وأعلم من الله ما لا تعلمون } إشارة إلى علم العقل برجوع القلب إلى عالم الخلق ووقوفه مع العادة بعد الذهاب إلى الجهة الحقانية وانخلاعه عن حكم العادة عن قريب، كما سئل أحدهم: ما النهاية؟ قال: الرجوع إلى البداية. ولهذا العلم قال: { يا بني اذْهَبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه } وذلك عند فراغه عن السلوك بالكلية ووصول أثر ذلك الفراغ إلى العقل بقربه إلى رتبته في التنزل والتدلي فيأمر القوى باستنزاله إلى مقامهم بطلب الحظوظ في صورة الجمعية البدنية وتدبير معاشهم ومصالحهم الجزئية، وذلك هو الروح الذي نهاهم عن اليأس منه، إذ المؤمن يجد هذا الروح والرضوان في الحياة الثانية التي هي بالله فيحيا به ويتمتع بحضوره بجميع أنواع النعيم ولذات جنّات الأفعال والصفات والذات بالنفس والقلب والروح دون الكافر كما قال: { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }. وقولهم: { مسّنا وأهلنا الضرّ } إشارة إلى عسرهم وسوء حالهم، وضيقهم في الوقوف مع الحقوق { وجئنا ببضاعة مزجاة } إلى ضعفهم لقلّة مواد قواهم وقصور غذائهم عن بلوغ مرادهم.
وقولهم: { فأوْفِ لنا الكيل } استعطافهم إياه بطلب الحظوظ. وقوله: { هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه } إشارة إلى تنزل القلب إلى مقامهم في محل الصدر ليعرفوه فيتذكروا حالهم في البداية وما فعلوا به في زمان الجهل والغواية. وقولهم: { أئنك لأنت يوسف } تعجب منهم عن حاله بتلك الهيئة النورانية والأبهة السلطانية وبعدها عن حال بدايته. وقوله: { قد منّ الله علينا } إلى آخره، إشارة إلى علّة ذلك وسبب كماله. وقولهم: { تالله لقد آثرك الله علينا } إشارة تهدي القوي عند الاستقامة إلى كماله ونقصها. وقوله: { لا تَثْرِيبَ عليكم اليوم } لكونها مجبولة على أفعالها الطبيعية. وقوله: { يغفر الله لكم } إشارة إلى براءتها من الذنب عند التنوّر بنور الفضيلة والتَأمر بأمره عند الكمال.