التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ
١٢
وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ
١٣
لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
١٤
-الرعد

تفسير القرآن

{ هو الذي يُريكم } برق لوامع الأنوار القدسية والخطفة الإلهية { خوفاً } أي: خائفين من سرعة انقضائه وبطء رجوعه { وطَمَعاً } أي: طامعين في ثباته وسرعة رجوعه { ويُنْشئ } سحاب السكينة { الثقَال } بماء العلم اليقيني والمعرفة الحقة.
{ ويسبح } رعد سطوة التجليات الجلالية أي يسبّح الله ويمجده عما يتصوّر في العقل ممن ترد عليه تلك التجليات لوجدانه ما لا يدركه العقل ويحمده حق حمده بالكمال المستفاد من ذلك التجلي حمداً فعلياً فيكون التسبيح للرعد الموجب لذلك أو السطوة تسبح بنفس التجلي المنزّه عن أن يدرك بالإدراك العقلي { والملائكة } أي: ملكوت القوى الروحانية من هيبته وجلاله { ويرسل } صواعق السبحات الإلهية بتجلي القهر الحقيقي المتضمن للطف الكلي فيسلب الوجود عن المتجلى عليه ويفنيه عن بقية نفسه، كما ورد في الحديث:
"إنّ لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" . { فيُصِيبُ بها من يشاء } من عباده المحبوبين والمحبين العشاق المشتاقين { وهم يُجَادِلون في الله } بالتفكر في صفاته والنظر العقلي في إثباته وما يجب له ويمتنع عليه من الصفات { وهو شديدُ المحالُ } القوي في رفع الحيل العقلية في الإدراك وطمس نور بصيرته بالتجلي وإحراقه بنور العشق.
{ له دعوة الحق } أي: الدعوة الحقيّة التي ليست بالباطل له لا لغيره يدعو نفسه فيستجيب كما قال تعالى:
{ { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِص } [الزمر، الآية: 3] أي: الدين الخالص ليس إلا دينه ومعناه: أنّ الدعوة الحقّة الحقيقية بالإجابة هي دعوة الموحد الفاني عن نفسه، الباقي بربّه، وكذا الدين الخالص دينه. والدعاة القائمون بأنفسهم لا يدعون إلا من تصوّروه ونحتوه في خيالهم فلا يستجاب لهم إلا كاستجابة الجماد الذي يطلب منه الشيء، ولعمري إنه لا يدعو الله إلا الموحد وغيره يدعو الغير الموهوم الذي لا قدرة له ولا وجود فلا استجابة، وهو الذي حجب استعداده بصفات نفسه فلا يعلم ما استحقه فضاع دعاؤه ولا يكون مثل هذا الدعاء إلا في ضياع أو دعوة الحق جل وعلا، لا تكون إلا له، أو دعوة المدعوّ الذي هو الحق هي الدعوة المختصة بذاته لا يدعى بها غيره من أسمائه وصفاته والواصفيون الذين يدعون أسماءه وصفاته من دون ذاته لا يستجيبهم المدعو إلا استجابة كاستجابة داعي الماء بالإشارة لكونهم محجوبين { وما دُعَاء } المحجوبين { إلا في } ضياع.