التفاسير

< >
عرض

إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً
٧٥
وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً
٧٦
سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً
٧٧
أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً
٧٨
-الإسراء

تفسير القرآن

{ إذاً لأذقناك } أي: لو قاربت فتنتهم وكدت توافقهم لأذقناك عذاباً مضاعفاً في الحياة وعذاباً مضاعفاً في الممات، فإنّ شدّة العذاب بحسب علوّ المرتبة وقوة الاستعداد إذ النقصان الموجب للعذاب يقابل الكمال الموجب للذة. فكلما كان الاستعداد أتمّ والإدراك أقوى، كانت المرتبة في الكمال والسعادة واللذة أقوى فكذا ما يقابله من النقص والشقاوة أبعد وأسفل والألم أشدّ.
{ أقِم الصَّلاة لدلوك الشمس } اعلم أنّ الصلاة على خمسة أقسام: صلاة المواصلة والمناغاة في مقام الخفاء، وصلاة الشهود في مقام الروح، وصلاة المناجاة في مقام السرّ، وصلاة الحضور في مقام القلب، وصلاة المطاوعة والانقياد في مقام النفس. فدلوك الشمس هو علامة زوال شمس الوحدة عن الاستواء على وجود العبد بالفناء المحض، فإنه لا صلاة في حال الاستواء إذ الصلاة عمل يستدعي وجوداً، وفي هذه الحالة لا وجود للعبد حتى يصلي كما ذكر في تأويل قوله تعالى:
{ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [الحجر، الآية: 99]. ألا ترى الشارع عليه السلام كيف نهى عن الصلاة وقت الاستواء، فأما عند الزوال، إذا حدث ظل وجود العبد سواء عند الاحتجاب بالخلق حالة الفرق قبل الجمع أو عند البقاء حالة الفرق بعد الجمع، فالصلاة واجبة { إلى غسق } ليل النفس { وقرآن } فجر القلب، فأول الصلوات وألطفها صلاة المواصلة والمناغاة وأفضلها وأشرفها صلاة الشهود للروح المشار إليها بصلاة العصر كما فسرت الصلاة الوسطى، أي: الفضلى في قوله تعالى: { { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ } [البقرة، الآية: 238] والصلاة الوسطى بها، وأوحاها وأخفها صلاة السرّ بالمناجاة أول وقت الاحتجاب بظهور القلب لسرعة انقضاء وقتها ولهذا استحب التخفف في صلاة المغرب في القراءة وغيرها لكونها علامة لها، وأزجر الصلاة للشيطان، وأوفرها تنويراً لباطن الإنسان صلاة الحضور للقلب المومئ إليها بقرآن الفجر، فإنها في وقت تجليات أنوار الصفات ونزول المكاشفات ولهذا استحب التكثر في جماعة صلاة الصبح وأكد استحباب الجماعة فيها خاصة، وتطويل القراءة، وقال تعالى: { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } أي: محضوراً بحضور ملائكة الليل والنهار إشارة إلى نزول صفات القلب وأنوارها وذهاب صفات النفس وزوالها، وأشدّها تثبيتاً للنفس وتطويعاً لها صلاة النفس للطمأنينة والثبات، ولهذا سنّ فيما جعل آية لها من صلاة العشاء السكوت بعدها حتى النوم إلا بذكر الله، وحيث أمكن للشيطان سبيل إلى الوسوسة استحب، فيما جعل علامة لها الجهر كصلاة النفس والقلب والسرّ للزجر ولا مدخل له في مقام الروح والخفاء فأمر بالإخفات.