التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً
٩٦
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً
٩٧
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً
٩٨
-مريم

تفسير القرآن

{ إنّ الذين آمنوا } الإيمان الحقيقي العلمي أو العيني { وعملوا الصالحات } من الأعمال المزكية المصفية المعدّة لقبول تجليات الصفات بالتجرد عن ملابس صفاتهم { سيجعل لهم الرحمن ودّاً } كما قال: "لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها" . وفي الحقيقة هذا الودّ أثر ونتيجة العناية الأولى المستفادة من قوله: { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة، الآية:54]، فإذا أحبه قبل الظهور في مكمن الغيب بمحبة الاجتباء ألزمه حبّه الله عند البروز وحرّكه إلى الوفاء بالعهد السابق فتجدّد ذلك العهد بالعقد اللاحق الذي هو العهد مع الله بالوفاء بذلك في متابعة الحبيب المطلق كما قال: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران، الآية: 31]. وإن صحت المتابعة في الأعمال والأحوال أحبه الله بمحبة الاصطفاء فوق المحبة التي هي ثمرة المحبة الأولى لكون الأولى عينية كامنة ولكونها كمالية وبارزة وقعت محبته في قلوب الخلق وظهر له القبول عند أهل الإيمان الفطري. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحبّ الله عبداً يقول الله تعالى: يا جبريل قد أحببت فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: أن الله تعالى قد أحبّ فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يضع له المحبة في الأرض" . وعن قتادة: ما أقبل عبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه. وهذا معنى قوله: { سيجعل لهم الرحمن وداً } والله أعلم.