التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
٨٥
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٨٦
-البقرة

تفسير القرآن

{ ثم أنتُم هؤلاءِ } الساقطون عن الفطرة، المحتجبون عن نور الاستعداد الأصليّ { تَقْتلون أنْفُسَكم } بغوايتكم ومتابعتكم للهوى { وتُخْرجون فَرِيقاً منكُم من دِيَارهم } أوطانهم القديمة الأصلية، بإغوائهم وإضلالهم وتحريضهم على ارتكاب المعاصي واتباع الهوى { تَظَاهرون عليهم } تتعاونون عليهم { بالإثْمِ } بارتكاب الفواحش والمعاصي ليروكم فيتبعوكم فيها { والعدوانِ } والاستطالة على الناس ليتعدّى إليهم ظلمكم، وإلزامكم إياهم رذائل القوّتين البهيمية والسبعية وتحريضكم لهم عليها، وتزيينكم لهم إياها كما هو عادة ملاحدة المسلمين من أهل الإباحة المدّعين للتوحيد. { وإن يأتُوكم أسَارى } في قيد تبعات ارتكبوها وشين أفعالهم القبيحة، أخذتكم الندامة وعيرتهم عقولهم وعقول أبناء جنسهم بما لحقهم من العار والشنار { تُفادُوهم } بكلمات الحكمة والموعظة والنصيحة الدالة على أنّ اللذات المستعلية هي: العقلية والروحية وعاقبة اتباع الهوى والنفس والشيطان وخيمة، ومشاركة البهائم والهوامّ في أفعالها مذمومة رديئة، فيتيقظوا بها ويتخلصوا من قيد الهوى سويعة كما نشاهد من حال علوج مدّعي التوحيد والمعرفة والحكمة وأتباعهم في زماننا هذا.
{ أَفَتُؤمنون بِبَعض الكِتاب } أي: كتاب العقل والشرع قولاً وإقراراً، فتقرون به وتصدّقونه وهو أنّ اتباع الهوى والنفس مذموم، موجب للوبال والهلاك والخسران { وتَكْفرون بِبعض } فعلاً وعملاً فلا تنتهون عما نهاكم عنه، وهو إباحتهم واستحلالهم للمحرّمات والمنهيات { فما جَزاء من يَفعل ذلك مِنكم إلا خِزْيٌ } افتضاح وذلة { في الحياة الدنيا ويوم القيامة } أي: حال المفارقة التي هي القيامة الصغرى { يُرَدون إلى أشد العذابِ } الذي هو تعذيبهم بالهيئات المظلمة الراسخة في نفوسهم واختراقهم بنيرانها أو مسخهم عن صورهم بالكلية، وتضاعف البليّة { وما الله بِغَافل } عن أعمالكم، أحصاها وضبطها في أنفسكم وكتبها عليكم، كما قال تعالى:
{ { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة، الآية: 6].