التفاسير

< >
عرض

قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ
٣٦
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ
٣٧
إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ
٣٨
أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ
٣٩
إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ
٤٠
-طه

تفسير القرآن

{ قد أوتيت } أعطيت { سؤلك } ووفقت لتحصيل مطلوبك. { ولقد مننا عليك مرة أخرى } قبل إرادتك وطلبك بمحض عنايتنا { إذ أوحينا إلى أمّك } النفس الحيوانية { ما يوحى } أي: أشرنا إليها { أن أقذفيه } في تابوت البدن أو الطبيعة الجسمانية { فاقذفيه } في يمّ الطبيعة الهيولانية { فليلقه اليمّ } عند ظهور نور التمييز والرشد بساحل النجاة { يأخذه عدوّ } النفس الأمّارة الجبارة الفرعونية { وألقيت عليك محبّة مني } أي: أحببتك وجعلتك محبوباً إلى القلوب وإلى كل شيء حتى النفس الأمّارة والقوى، ومن أحببته يحبه كل شيء { ولتصنع } وتربى على كلاءتي وحفظي فعلت ذلك.
{ إذ تمشي أختك } العاقلة العملية عند ظهورها وحركتها { فتقول } للنفس الأمّارة والقوى المنعطفة عليه { هل أدلكم } بالآداب الحسنة والأخلاق الجميلة على أهل بيت من النفس اللوّامة وقواها الجزئية بفوات قرّة عينها { على من يكفله } لكم بالتربية بالفكر والإرضاع بلبان الحكمة العملية والعلوم النافعة وهم له ناصحون معاونون على كسب الكمال، مرشدون إلى الأعمال الصالحة، معدّون للترقي إلى المرتبة الرفيعة { فرجعناك إلى أمك } المشفقة عليك التي هي النفس اللوّامة اللائمة لنفسها بتضييع قرّة عينها ليحصل اطمئنانها بنور اليقين وتتهذب بالحكمة العملية وترضع منها اللبن المذكور وتتربى في حجر تربيتها بالمدركات الجزئية والآلات البدنية والأعمال الزكية { كي تقرّ عينها } أي: تتنوّر بنورك { ولا تحزن } على فوات قرّة عينها ونقصها.
{ وقتلت نفساً } أي: الصورة الغضبية المسوّلة لك بالرياضة والإماتة { فنجيناك } من غمّ استيلاء النفس الأمّارة وإهلاكها إياك { وفتناك } ضروباً من الفتن بظهور النفس وصفاتها والرياضة والمجاهدة في دفعها وقمعها وإماتتها وتزكيتها { فلبثت سنين في أهل مدين } العلم من القوى الروحانية عند شعيب العقل الفعال { ثم جئت على قدر } على حد من الكمال المقدّر بحسب استعدادك أو على شيء مما قدّرته لك، أي: بعض ما قدر لك من الكمال التام الذي هو التجلي الذاتي الذي سيوهب لك بعد كمال الصفات.