التفاسير

< >
عرض

فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ
٦٤
قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ
٦٥
قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ
٦٦
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ
٦٧
قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ
٦٨
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ
٦٩
فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ
٧٠
قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ
٧١
-طه

تفسير القرآن

{ فأجمعوا كيدكم } أي: اتّفقوا فيما تبارزونهما به فتكونوا متفقي الكلمة متعاضدين { فإذا حبالهم وعصيهم } أي: تخيلاتهم ووهمياتهم { يخيل إليه من سحرهم } في التركيب والبلاغة وحسن التقرير وتمشية المغالطة والسفسطة وهيئة ترتيب القياس الجدلي كأنها تسعى، أي: تمشي { خيفة } عن غلبة الجهّال ودولة الضلال، كما قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "لم يوجس موسى خيفة على نفسه، إنما خاف من غلبة الجهّال ودولة الضلال".
{ قلنا لا تخف } شجعناه وأيّدناه، بروح القدس { وألق ما في يمينك } أي: ما في ضبط عقلك من النفس المؤتلفة بشعاع القدس المضيئة بنور الحق { تلقف ما صنعوا } ما زخرفوا وزوّروا من الشبهات والتمويهات الباطلة والأباطيل المزخرفة بالحجج النيرة والبراهين الواضحة { إنما صنعوا } وتلقفوا { كيد ساحر } أي: تمويه وتزوير { فألقي السحرة سجداً } منصفين مذعنين مقرين بكونه على الحق لما عرفوا من صدق البينة وظهور المعجزة وقيام الحجة وجلية البرهان { قالوا آمنا } الإيمان اليقيني لأنهم كوشفوا بالحق فعرفوا ربوبيته للكل، وإنما أضافوا الربّ إليهما مع تعميم الإضافة إلى العالمين لزيادة اختصاصهما به وفضل ربوبيته إياهما، فإنه يربّ كل شيء باسم يناسبه ويقتضيه استعداده ويربهما بأكبر أسمائه الحسنى على حسب كمال استعدادهما ولظهوره فيهما بكمالات صفاته وتجليه عليهم فيهما بآياته، فعلموا أنهم من شكوتهما عرفوا ما عرفوا، وبوسيلتهما وصلوا إلى ما وصلوا، وبتبعيتهما وجدوا ما وجدوا، لا على سبيل الاستقلال. واعلم أن الساحر أقرب الناس استعداداً من النبي لأن مبادىء خوارق العادات أمور ثلاثة: إما خواص التركيب وتمزيجات المواد العنصرية والصور وجمع الأخلاط المختلفة المزاج والجوهر وهو من باب النيرنجات. وإما جمع القوى السماوية والأرضية بإعداد الصور السفلية والمواد العنصرية لاستجلاب فيض النفوس السماوية واتصالها بقوى الأجرام الأرضية وهو من باب الطلسمات، وإما تأثير النفوس وهيئاتها المستفادة من العالم العلوي وهو من الكامل المبعوث للنبوّة القائم بالدعوة إعجاز ومن الواصل المحق المترقي إلى ذروة الولاية غير المبعوث للنبوّة كرامة. والفرق بينهما أن الإعجاز مقارن للتحدّي والمعارضة دون الكرامة ومن المقبل على الدنيا المعرض عن العالم الأعلى سحر، فكانت نفس الساحر في بدء فطرتها قوية مخصوصة بهيئات مؤثرة في هذا العالم وأجرامه إلا أنها أعرضت عن مبدئها بالركون إلى العالم السفلي وانقطعت عن أصل القوى والقدر ومنبع التأثير والقهر بالميل إلى عالم الطبع، فلا يزال يضعف ما فيها من الهيئة النورية والشعاع القدسي كما لا يزال يزداد في نفس النبيّ والوليّ بالإقبال على الحق والائتلاف بنور القدس والتأييد بالقوة الملكوتية والتوجه إلى الحضرة الإلهية ولا جرم ينكسر من النبيّ حين عارضه وينقمع بنفسه إذا قابله، فهو أعرف الناس بالنبيّ عند عجزه وإنكاره وأقبل الخلق لدعوته وأنواره، وأسبقهم إلى الإقرار به لكونه أقربهم في الاستعداد إليه ما لم يبطل استعداده الأول بالكلية ولم يغلب عليه دين الطبيعة السفلية.