التفاسير

< >
عرض

وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ
٤٧
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ
٤٨
ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ
٤٩
وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
٥٠
-الأنبياء

تفسير القرآن

{ ونضع الموازين القسط } ميزان الله تعالى هو عدله الذي هو ظلّ وحدته وصفته اللازمة لها، به قامت سموات الأرواح وأرض الأجساد واستقامت ولولاه لما استقرّ أمر الوجود على النسق المحدود. ولما شمل الكل أصاب كل موجود قسطه منه بحسب حاله وقدر احتماله فصار بالنسبة إلى كل أحد بل كل شيء ميزاناً خاصاً وتعدّدت الموازين على حسب تعدّد الأشياء وهي جزئيات الميزان المطلق ولذلك أبدل القسط المطلق منها أو وصفها به، فإنها كلها هي العدل المطلق الواحد ولا تعدّد الحقيقة بتعدّد المظاهر. ووضعها عبارة عن ظهور مقتضاها وذلك إنما يكون يوم القيامة الصغرى بالنسبة إلى المحجوب ويوم القيامة الكبرى بالنسبة إلى أهلها { فلا تظلم نفس شيئاً } لأن كل ما عملت من خير وجد حالة عمله في كفّة الحسنات التي هي جهة الروح من القلب وكل ما عملت من سوء وضع في كفّة السيئات التي هي جهة النفس منه. والقلب هو لسان الميزان ولهذا قيل: يجعل في كفّة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفّة السيئات جواهر سود مظلمة، إلا أن الثقل هناك يوجب الصعود والميل إلى العلوّ، والخفة توجب النزول والميل إلى السفل بخلاف الميزان الجسماني إذ الثقيل ثمة هو الراجح المعتبر الباقي عند الله والخفيف هو المرجوح الذي لا وزن له عند الله ولا اعتبار فلا ينقص مما عملت نفس شيئاً { وإن كان مثقال حبة من خردل } ومن هذا يعلم ما قيل: إن الله تعالى يحاسب الخلائق في أسرع من فواق شاة.
{ آتينا موسى } القلب { وهارون } العقل أو على ظاهرهما { الفرقان } أي: العلم التفصيلي الكشفي المسمّى بالعقل الفرقاني { وضياء } أي: نوراً تاماً من المشاهدات الروحانية { وذكرى } أي: تذكيراً وموعظة { للمتّقين الذين } تزكت نفوسهم من الرذائل والصفات الحاجبة فأشرقت أنوار طيبات العظمة من قلوبهم على نفوسهم لصفائها وزكائها فأورثت الخشية في حال الغيبة قبل الوصول إلى مقام الحضور القلبي { وهم من الساعة } أي: القيامة الكبرى على إشفاق وتوقع لوقوعها لقوة يقينهم إذ الإشفاق إنما يكون عند التوقع لشيء مترقب الوقوع. أي: آتيناهما في مقام القلب، العلم الذي به يفرق بين الحق والباطل من الحقائق والمعارف الكلية وفي مقام الروح ومرتبته النور المشاهد الباهر على كل نور، وفي مقام النفس ورتبة الصدر التذكير بالمواعظ والنصائح والشرائع من العلوم الجزئية النافقة للمستعدّين القابلين السالكين.
{ وهذا ذكر } غزير الخير والبركة، شامل للأمور الثلاثة، زائد عليها بالكشف الذاتي والشهود الحق في مقام الهوية وعين جمع الأحدية جامع لجوامع الكلم، حاف بجميع المشاهدات والحِكم إذ في البركة معنى النماء والزيادة.