التفاسير

< >
عرض

فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ
٥٨
قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٥٩
قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ
٦٠
قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ
٦١
قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ
٦٢
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ
٦٣
فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٦٤
ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ
٦٥
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ
٦٦
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٦٧
-الأنبياء

تفسير القرآن

{ فجعلهم } بفأس القهر الذاتي والشهود العيني { جذاذاً } قطعاً متلاشية فانية { إلا كبيراً لهم } هو عينه الباقي على اليقين الأول الذي به سمى الخليل خليلاً { لعلهم إليه يرجعون } يقبلون منه الفيض ويستفيضون منه النور والعلم كما استفاض هو منه أولاً.
{ قالوا } أي: قالت النفوس العاشقة بالعقول { من فعل هذا } الاستخفاف والتحقير { بآلهتنا } التي هي معشوقاتنا ومعبوداتنا بنسبتها إلى الاحتجاب والنظر إليها بعين الفناء وجعلها بقوّة الظهر كالهباء، متعجبين منه، معظمين له، مستعظمين لأمره { إنه لمن الظالمين } الناقصين حقوق المعبودات المجرّدة وجميع الموجودات من الوجودات والكمالات بنفيها عنهم وإثباتها للحق، أو الناقصين حق نفسهم بإفنائها وقهرها { قالوا سمعنا فتى } كاملاً في الفتوّة والشجاعة على قهر ما سوى الله من الأغيار والسخاوة ببذل النفس والمال { يذكرهم } بنفي القدرة والكمال عنهم ونسبة العدم والفناء إليهم { فأتوا به } أي: استحضروه وأحضروه معايناً لجميع النفوس { لعلهم يشهدون } كماله وفضيلته فيستفيدون منه.
{ أأنت فعلت هذا } صورة إنكار لما لم يعرفوا من كماله إذ كل ما يمكن للنفوس معرفته فهو دون كمال العقول التي هي معشوقاتها وهي محجوبة عن كماله الإلهي الذي هو به أشرف منها { قال بل فعله كبيرهم } أي: ما فعلته بأنائيتي التي أنا بها أحسن منها، بل بحقيقتي وهويتي التي هي أشرف وأكبر منها { فاسألوهم إن كانوا ينطقون } بالاستقلال، أي: لا نطق لهم ولا علم ولا وجود بأنفسهم بل بالله الذي لا إله إلا هو.
{ فرجعوا إلى أنفسهم } بالإقرار والإذعان معترفين بأن الممكن لا وجود له بنفسه فكيف كماله { فقالوا إنكم أنتم الظالمون } بنسبة الوجود والكمال إلى الغير لا هو { ثم نكسوا على رؤوسهم } حياء من كماله ونقصهم وخضوعاً وانفعالاً منه { لقد علمت } بالعلم اللدني الحقاني فناءهم فنفيت النطق عنهم، وأما نحن فلا نعلم إلا ما علمنا الله فاعترفوا بنقصهم كما اعترفوا به عند معرفتهم لآدم بعد الإنكار، فقالوا:
{ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } [البقرة، الآية: 32].
{ أفتعبدون من دون } وتعظمون غيره مما لا ينفع ولا يضر، إذ هو النافع الضارّ لا غير { أفٍ لكم } أتضجر بوجودكم ووجود معبوداتكم ووجود كل ما سواء تعالى { أفلا تعقلون } أن لا مؤثر ولا معبود إلا الله.