التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
٢٥
وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ
٢٦
-الحج

تفسير القرآن

{ كفروا } حجبوا بالغواشي الطبيعية { ويصدّون عن سبيل الله والمسجد الحرام } الذي هو صدر فناء كعبة القلب { الذي جعلناه } لناس القوى الإنسانية مطلقاً { سواء } المقيم فيه من القوى العقلية الروحانية وبادي القوى النفسانية لإمكان وصولها إليه وطوافها فيه عند ترقي القلب إلى مقام السرّ.
{ ومن يرد فيه } من الواصلين إليه مراداً { بإلحاد } ميل إلى الطبيعة والهوى { بظلم } وضع شيء من العلوم والعبادات القلبية مكان النفسية كاستعمالها للأغراض الدنيوية وإظهارها لتحصيل اللّذات البدنية من طلب السمعة والمال والجاه أو بالعكس، كمباشرة الشهوات الحسيّة واللذات النفسية بتوهم كونها مصالح الدارين أو تغير عن وجهها كالرياء والنفاق، أو ملحداً ظالماً { من عذاب أليم } في جحيم الطبيعة.
{ وإذ بوّأنا } أي: جعلنا { لإبراهيم } الروح مكان بيت القلب وهو المصدر مباءة يرجع إليها في الأعمال والأخلاق. وقيل: أعلم الله إبراهيم مكانه بعدما رفع إلى السماء أيام الطوفان بريح أرسلها، فكشف ما حولها، فبناه على أسّه القديم، أي: هداه إلى مكانه بعد رفعه إلى السماء. وأيام طوفان الجهل وأمواج غلبات الطبع برياح نفحات الرحمة فكشفت ما حوله من الهيئات النفسانية والألواث الطبيعية والغبارات الهيولانية فبناه على أسّه القديم من الفطرة الإنسانية { أن لا تشرك } أي: جعلناه مرجعاً في بناء البيت بأحجار الأعمال وطين الحكم وجصّ الأخلاق، وقلنا: لا تشرك، أي: أمرناه بالتوحيد ثم بتطهير بيت القلب عن الألواث المذكورة { للطائفين } من القوى النفسانية التي تطوف حوله للتنوّر واكتساب الفضائل الخلقية { والقائمين } من القوى الروحانية التي تقوم عليها بإلقاء المعارف والمعاني الحكمية { والرُّكع السجود } من القوى البدنية التي تستفيد منه صور العبادات والآداب الشرعية والعقلية، أو لهداية الطالبين من المستبصرين المتعلمين، والمجاهدين السالكين، والمتعبدين الخاضعين.