التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً
٥٠
وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً
٥١
فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً
٥٢
وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً
٥٣
وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً
٥٤
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً
٥٥
وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً
٥٦
قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً
٥٧
-الفرقان

تفسير القرآن

{ ولقد صرّفناه } هذا العلم المنزّل على صور وأمثال مختلفة { ليذكروا } حقائقهم وأوطانهم الحقيقية وما نسوا من العهد والوصل وطيب الأصل { فأبى أكثر الناس إلا كفرواً } لنعمة الهداية الحقانية، وغمطاً للرحمة الرحيمية للاحتجاب بصور الرحمة في ستور الجلال من الغواشي الهيولانية.
{ ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } أي: فرقنا كمالك المطلق الذي تدعو به جميع الخلق إلى الحق على أشخاص و وزعناه بحسب أصناف الناس على اختلاف استعداداتهم على الأنبياء، كما قال:
{ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد، الآية:7]، فبعثنا في كل صنف نبيّاً يناسبهم كما كان قبل بعثه محمد من اختصاص موسى ببني إسرائيل واختصاص شعيب بأهل مدين وأصحاب الأيكة وغير ذلك. وخففنا عنك الجهاد، إذ الجهاد إنما يكون بحسب الكمال وكلما كان الكمال أعظم كان الجهاد أكبر لأن الله تعالى يربّ كل طائفة باسم من أسمائه فإذا كان الكامل مظهر جميع صفاته متحققاً بجميع أسمائه وجب عليه الجهاد مع جميع طوائف الأمم بجميع الصفات، ولكن ما فعلنا ذلك لعظم قدرك وكونك الكامل المطلق، والقطب الأعظم، والخاتم على ما ذكر في تأويل قوله: { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [الفرقان: الآية: 32].
{ فلا تطع } المحجوبين بموافقتهم في الوقوف مع بعض الحجب ونقصان بعض الصفات { وجاهدهم } لكونك مبعوثاً إلى الكل { جهاداً كبيراً } هو أكبر الجهادات كما قال: "ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت"، أي: ما كمل نبيّ مثل كمالي.
{ وهو الذي مرج البحرين } أي: خلط بحر الجسم والروح في الإيجاد { هذا } الذي هو بحر الروح { عذب فرات } أي: صاف لذيذ، وهذا الذي هو بحر الجسم { ملح أجاج } أي: متغير متكدّر غير لذيذ { وجعل بينهما برزخاً } هو النفس الحيوانية الحائلة بينهما من الامتزاج وتكدر الروح بالجسم وتكثفه وتنور الجسم بالروح وتجرّده { وحجراً محجوراً } عياذاً يتعوّذ به كل منهما من بغي الآخر ومانعاً يمنع ذلك.