التفاسير

< >
عرض

وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ
٢٠
لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٢١
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
٢٢
إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ
٢٣
وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ
٢٤
-النمل

تفسير القرآن

{ وتفقد } حال طير القوى الروحانية ففقد هدهد القوة المفكرة لأن القوة المفكرة إذا كانت في طاعة الوهم كانت متخيلة والمفكرة غائبة بل معدومة، ولا تكون مفكرة إلا إذا كانت مطيعة للعقل { لأعذبنه عذاباً شديداً } بالرياضة القوية ومنعها عن طاعة الوهمية وتطويعها للعاقلة { أو لأذبحنّه } بالإماتة { أو ليأتين بسلطان مبين } أو تصير مطواعة للعقل لصفاء جوهرها ونورية ذاتها فتأتي بالحجة البينة في حركتها.
{ فمكث غير بعيد } أي: لم يطل زمان رياضتها لقدسيتها وما احتاجت إلى الإماتة لطهارتها حتى رجعت بسلطان مبين، وتمرّنت في تركيب الحجج على أصح المناهج { فقال أحطت بما لم تحط به } من أحوال مدينة البدن وإدراك الجزئيات وتركيبها مع الكليات، فإن القلب لا يدرك بذاته إلاّ بالكليات ولا يضمها إلى الجزئيات في تركيب القياس، واستنتاج واستنباط الرأي إلا الفكر وبواسطته يحيط بأحوال العالمين ويجمع بين خيرات الدارين { وجئتك من سبأ } مدينة الجسد { بنبأ يقين } عيانيّ مشاهد بالحسّ.
{ إني وجدت امرأة تملكهم } هي الروح الحيوانية، المسمّاة باصطلاح القوم: النفس { وأوتيت من كل شيء } من الأسباب التي يدبرها البدن ويتم بها تملكه { ولها عرش عظيم } هو الطبيعة البدنية التي هي متكؤها بهيئة ارتفاعها من طبائع البسائط العنصرية التي هي المزاج المعتدل، أو تؤوّل مدينة سبأ بالعالم الجسماني، والعرش بالبدن.
{ وجدتها وقومها يسجدون } لشمس عقل المعاش المحجوب عن الحق بانقيادها له وإذعانها لحكمه دون الانقياد لحكم الروح والانخراط في سلك التوحيد، والإذعان لأمر الحق وطاعته { وزين لهم } شيطان الوهم { أعمالهم } من تحصيل الشهوات واللذات البدنية والكمالات الجسمانية { فصدّهم عن } سبيل الحق وسلوك طريق الفضيلة بالعدل { فهم لا يهتدون } إلى التوحيد والصراط المستقيم.