التفاسير

< >
عرض

يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ
١٠
إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
١٢
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٣
وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ
١٤
-النمل

تفسير القرآن

{ أنا الله } القوي الذي قهر نفسك وكل شيء بالفناء فيه { الحكيم } الذي علمك الحكمة وهداك بها إلى مقام المكالمة { وألق } عصا نفسك القدسية المؤتلفة بشعاع القدس، أي: خلفاً عن الضبط بالرياضة وأرسلها ولا تمنعها عن الحركة فإنها تنوّرت { فلما رآها } تضطرب وتتحرّك { كأنها } حيّة غالبة بالظهور { ولى } إلى جناب الحق { مُدْبِراً } خوف ظهور النفس { ولم يعقب } أي: لم يرجع وبقي مشتغلاً بتدارك البقية { لا تخف } من استيلاء النفس وظهور الحجاب، فإن النفس إذا حييت بعد موتها بالإرادة وفنائها بالرياضة إن استقلت بنفسها واستبدت بأمر كانت حجاباً وابتلاء، وإذا تحرّكت بأمري حيّة بنور الروح والمحبة الحقانية لا بهواها لم تكن حجاباً { إني لا يخاف لديّ المرسلون } الذين أرسلتهم بالبقاء بعد الفناء وأحييت نفوسهم بحياتي.
{ إلا من ظلم } بظهور النفس قبل وقت الاستقامة واستحكام مقام البقاء، فإنه ذنب حاله تجب عنه التوبة بالاستغفار والخوف بالابتلاء { ثم بدّل حسناً } بالخوف والتدارك بقمعها والالتجاء إلى جناب الحق من شرّها { بعد سوء } أية صفة ظهرت بها من صفاتها { فإني غفور } أستر بنوري ظلمتها { رحيم } أرحم بعد الغفران بصفتي القائمة صفتها الظاهرة هي بها.
{ وأدخل يدك } العاقلة العلمية { في جيبك } تحت لباس النفس متصلة بالقلب في إبطك الأيسر موضع الصدر { تخرج بيضاء } نورانية ذات قدرة { من غير سوء } أي: التلوين والظهور بصفة من صفاتها بل بالتنّور بالنور { في تسع آيات } أي: اذهب بهاتين الآيتين بين النفس القدسية والعاقلة العلمية الحيّة إحداهما بحياة القلب، والمتنوّرة ثانيتهما بنوره، في جملة تسع آيات هما ثنتان منها والباقية هي السبع المشار إليها في قول المتكلمين بالقدماء السبعة: وهي الصفات الإلهية التي تجلى بها الحق تعالى على القلب فقامت مقام صفاته، وهي الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والتكلم. { إلى فرعون } النفس الأمّارة بالسوء المحجوبة بالأنائية { وقومه } من قواها كلما ظهرت بتفرعنها على أية صفة في أي مظهر ظهرت وأينما وجدت اذهب بهذه الصفات { إنهم كانوا قوماً فاسقين } خارجين عن دين الحق وطاعته بدين الهوى، منكرين للتوحيد بظهورهم.
{ فلما جاءتهم آياتنا مبصرة } منه نورانية تحيّروا فيها { وجحدوا بها } بظهورهم بصفاتها ومخالفتها { ظلماً وعلوّاً } وإن استيقنتها أنفسهم من طريق العلم والعقل لتفرعنها وتعوّدها بالاستعلاء وعدم ملكية العدل { فانظر كيف كان } عاقبتهم من الغرق في يمّ القطران لإفسادهم في أرض البدن بالطغيان.