{وقالت لأخته} القوّة المفكرة {قصّيه} أي: اتبعيه وتفقدي حاله بالحركة في تصفح معانيه المعقولة وكمالاته العلمية والعملية {فبصرت به عن جنب} أدركت حاله عن بعد لأنها لا ترتقي إلى حدّه ولا تطلع عن مكاشفته وأسراره وما يحصل له من أنوار صفاته {وهم لا يشعرون} أي: لا يطلعون على اطلاع أخته عليه لقصور جميع القوى النفسانية عن حدّ المفكرة وبلوغ شأوه.
{وحرّمنا عليه المراضع} أي: منعناه من التقوي والتغذي بلذات القوى النفسانية وشهواتها وقبول أهوائها وإعدادها {من قبل} أي: قبل استعمال الفكر بنور الاستعداد وصفاء الفطرة {فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} بالقيام بتربيته بالأخلاق والآداب ويرضعونه بلبان المبادىء من المشاهدات والوجدانيات والتجريبات، وما طريقة الحس والحدس من العلوم {وهم له ناصحون} يشدونه بالحكم العملية والأعمال الصالحة، ويهذّبونه ولا يغوونه بالوهميات والمغالطات، ويفسدونه بالرذائل والقبائح.
{فرددناه إلى أمّه} النفس اللوّامة بالميل نحوها والإقبال {كي تقرّ عينها} بالتنوّر بنوره {ولا تحزن} بفوات قرّة عينها وبهائها وتقويتها به {ولتعلم} بحصول اليقين بنوره {أنّ وعد الله} بإيصال كل مستعدّ إلى كماله المودع فيه وإعادة كل حقيقة إلى أصلها {حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ذلك فلا يطلبون الكمال المودع فيهم لوجود الحجاب وطريان الشك والارتياب.
{ولما بلغ أشدّه} أي: مقام الفتوّة وكمال الفطرة {واستوى} استقام بحصول كماله ثم بتجرّده عن النفس وصفاته {آتيناه حكماً وعلماً} أي: حكمة نظرية وعملية {وكذلك نجزي المحسنين} المتّصفين بالفضائل، السائرين في طريق العدالة.