التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ
٢٦
قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
٢٧
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٢٨
-القصص

تفسير القرآن

{ قالت إحداهما يا أبت استأجره } أي: استعمله بالمجاهدة في الله والمراقبة لحاله في رعاية أغنام القوى حتى لا تنتشر فتفسد جمعيتنا وتشوّش فرقتنا، وبالذكر القلبي في مقام تجليات الصفات والسير فيها بأجره ثواب التجليات وعلوم المكاشفات { إن خير من استأجرت } لهذا العمل { القويّ } على كسب الكمال { الأمين } الذي لا يخون عهد الله بالوفاء بإبرازها في الاستعداد من وديعته أو لا يخون الروح بالميل إلى بناته فيحتجب بالمعقول. وقد قيل: إن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجراً لا يقله إلا سبعة رجال، وقيل عشرة، فأقله وحده وذلك قوته. وفيها إشارة إلى أن العلم اللدني لا يحصل إلا بالاتّصاف بالصفات السبع الإلهية أو العشر.
{ قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين } أي: أجعلها تحتك، تحظى عندك بنور القدس وعلوم الكشف وتكون بحكمك وأمرك لا تحتجب عنك بقولها { على أن تأجرني ثماني حجج } أي: تعمل لأجلي بالمجاهدة حتى تأتي عليك ثمانية أطوار هي أطوار الصفات السبعة الإلهية بالفناء عن صفاته في صفات الله التي آخرها مقام المكالمة مع طور المشاهدة التي يتم بها الوصول المطلوبة بقوله:
{ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف، الآية:143].
{ فإن أتممت عشراً } بالترقي في طورين آخرين هما الفناء في الذات والبقاء بعده بالتحقق { فمن عندك } فمن كمال استعدادك وقوّته وخصوصية عينك واقتضاء هويتك وهي الكمالات العشر التي ابتلى بها إبراهيم ربّه فأتمهنّ فجعله إماماً للناس في مقام التوحيد والله أعلم. { وما أريد أن أشق عليك } أحمل عليك فوق طاقتك وما لا يفي به وسع استعدادك { ستجدني إن شاء الله من الصالحين } المربين بما يصلح للوصول من الإفاضات والعلوم، الهادين إلى ما في أصل الاستعداد من الكمال المودع في عين الذات بالأنوار، غير مكلفين ما لم يكن في وسعك.
{ ذلك بيني وبينك } ذلك الأمر الذي عاهدتني عليه قائم بيني وبينك، يتعلق بقوّتنا واستعدادنا وسعينا، لا مدخل لغيرنا فيه { أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ } أيما النهايتين بلغت فلا إثم عليّ، إذ لا عليّ إلا السعي. وأما البلوغ فهو بحسب ما أوتيت من الاستعداد في الأزل وإنما تتقدّر قوتي في السعي بحسب ذلك والله هو الذي وكل إليه أمرنا وفي ذلك شاهد عليه، أي: ما أوتينا من الكمال المقدّر لنا أمر تولاه الله بنفسه وعينه من فيضه الأقدس لا يمكن لأحد تغييره ولا يطلع عليه أحد غيره، ولا يعلم قبل الوصول قدر الكمال المودع في الاستعداد وهو غيب الغيوب الذي استأثر به الله لذاته.