التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٥٤
-آل عمران

تفسير القرآن

{ ثمّ } خلّى عنكم الغمّ بالأمن وإلقاء النعاس على الطائفة الصادقين دون المنافقين الذين { أهمتهم أنْفسهم } لا نفس الرسول ولا الذين وافقوا علامة للعفو { لبرزَ الذين كُتِب عليهم القَتل إلى مضاجعهم } لقوله تعالى: { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } [الحديد، الآية: 22].
{ وليَبْتَلي الله ما في صُدُوركم } أي: وليمتحن ما في استعدادكم من الصدق والإخلاص واليقين والصبر والتوكل والتجرّد وجميع الأخلاق والمقامات، ويخرجها من القوّة إلى الفعل { وليمحص ما في قلوبكم } أي: وليخلص ما برز منها من مكمن الصدر إلى مخزون القلب من عثرات وساوس الشيطان ودناءة الأحوال وخواطر النفس، فعل ذلك فإن البلاء سوط من سياط الله يسوق به عباده إليه بتصفيتهم عن صفات نفوسهم وإظهار ما فيهم من الكمالات، وانقطاعهم عنده من الخلق ومن النفس إلى الحق. ولهذا كان متوكلاً بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً لفضله:
"ما أوذي نبيّ مثل ما أُوذيت" ، كأنه قال: ما صفى نبيّ مثل ما صفيت. ولقد أحسن من قال:

لله درّ النائبات فإنها صدأ اللئام وصيقل الأحرار

إذ لا يظهر على كل منهم إلا ما في مكمن استعداده كما قيل: عند الامتحان يُكْرم الرجل أو يُهَان.