التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٥٦
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٥٧
ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ
٥٨
-آل عمران

تفسير القرآن

{ فأمّا الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً } بالحرمان عن مقام القلب، والاحتجاب بهيئات أعمالهم { وأما الذين آمنوا } من الروحانيات { وعملوا الصالحات } من أنواع التزكية والتحلية والتصفية في إعانة القلب على النفس ومتابعته في التوجه إلى الحق { فيوفيهم أجورهم } من الأنوار القدسية والإشراقات الروحية عليهم { والله لا يحب } الذين ينقصون الأجور من الحقوق.
وأما التأويل بغير التطبيق، فهو أنهم مكروا ببعث من يغتال عيسى عليه السلام، فشبّه لهم صورة جسدانية هي مظهر عيسى روح الله عليه السلام بصورة حقيقة عيسى، فظنوها عيسى فقتلوها وصلبوها، والله رفع عيسى عليه السلام إلى السماء الرابعة لكون روحه عليه السلام فائضاً من روحانية الشمس، ولم يعلموا لجهالتهم أنّ روح الله لا يمكن قتله. ولما تيقن حاله قبل الرفع قال لأصحابه: "إني ذاهب إلى أبي وأبيكم السماويّ"، أي: أتطهر من عالم الرجس، وأتصل بروح القدس الواهب الصور، المفيض للأرواح والكمالات، المربي للناس بالنفث في الروح، فأمدّكم من فيضه. وكان إذ ذاك لا تقبل دعوته ولا يتبع مثله، فأمر الحواريين بالتفرّق بعده في البلاد والدعوة إلى الحق، فقالوا: كيف ذاك إذا لم تكن معنا؟ والآن أنت بين أظهرنا ولا تجاب دعوتنا؟ قال: "علامة إمدادي إيّاكم قبول الخلق دعوتكم بعدي". فلما رُفِعَ لم يدع أصحابه أحداً إلا أجابهم، وظهر لهم القبول في الخلق، وعلت كلمتهم، وانتشر دينهم في أقطار الأرض. ولما لم يصل إلى السماء السابعة التي عرّج بمحمد صلى الله عليه وسلم إليها، المعبر عنها بـ "سدرة المنتهى" أعني: مقام النهاية في الكمال، ولم ينل درجة المحبة، لم يكن له بد من النزول مرة أخرى في صورة جسمانية، يتبع الملّة المحمدية لنيل درجتها، والله أعلم بحقائق الأمور.