التفاسير

< >
عرض

إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٧
وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ
٨
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٩
-الزمر

تفسير القرآن

{ إن تكفروا } وتحتجبوا بصفاتكم وذواتكم فإن الله لا يحتاج إلى ذواتكم وصفاتكم في ظهوره وكماله، لكونها فانية في نفس الأمر ليست شيئاً إلا به، فضلاً عن احتياجه إليها وهو الظاهر بذاته لذاته والباطن بحقيقته، المشاهد لكماله بعينه { ولا يرضى لعباده } الاحتجاب لكونه سبب هلاكهم ووقوعهم في أسر المالك والزبانية ولا يتعلق بهم الرضا، ولا يقبلون نوره فيدخلوا الجنّة { وإن تشكروا } برؤية نعمه واستعمالها في طاعته لتستعدّوا لقبول فيضه يرضى الشكر لكم بتجلي الصفات لتتصفوا بها فتبلغوا مقام الرضا وتدخلوا الجنة، فما تبعة الكفر إلا عليكم ولا ثمرة الشكر إلا لكم، أهذا الكافر المحجوب أفضل.
{ أمّن هو قانت } مطيع في مقام النفس وأوقات ظلمة صفاتها { ساجداً } بفناء الأفعال والصفات، قائماً بالطاعة والانقياد، عند ظهور النفس بصفاتها وأفعالها { يحذر } عقاب الآخرة ويرجوا الرحمة، إذ السالك في مقام النفس لا يخلو عن الخوف والرجاء { قل هل يستوي } أي: لا يستويان، وإنما ترك المضمر إلى الظاهر ليبين أنّ المطيع في مقام النفس هو العالم والكافر هو الجاهل. أما الأول فإن العلم هو الذي رسخ في القلب وتأصل بعروقه في النفس بحيث لا يمكن صاحبه مخالفته بل سيّط باللحم والدم فظهر أثره في الأعضاء لا ينفك شيء منها عن مقتضاه، وأما المرتسم في حيز العقل والتخيل بحيث يمكن ذهول النفس عنه وعن مقتضاه فليس بعلم إنما هو أمر تصوّري وتخيل عارضي لا يلبث بل يزول سريعاً، لا يغذو القلب ولا يسمن ولا يغني من جوع. وأما الثاني فظاهر، إذ لو علم لم يحجب بالغير عن الحق { إنما يتذّكر } ويتعظ بهذا الذكر { أولو } العقول الصافية عن قشر التخيّل والوهم لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر به الظاهر. وأما المشوبة بالوهم فلا تتذكر ولا تتحقق بهذا العلم ولا تعيه، بل تتلجلج فيه فيذهب.