التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
١
-النساء

تفسير القرآن

{ يا أيها الناس اتّقوا ربّكم } احذروه في انتحال صفته عند صدور الخيرات منكم، واتخذوا الصفة وقاية لكم في صدور ما صدر منكم من الخير، وقولوا صدر عن القادر المطلق { الذي خلقكم من نفس واحدة } هي النفس الناطقة الكلية، التي هي قلب العالم، وهو آدم الحقيقيّ { وجعل منها زوجها } أي: النفس الحيوانية الناشئة منها. وقيل: إنها خلقت من ضلعه الأيسر من الجهة التي تلي عالم الكون، فإنها أضعف من الجهة التي تلي الحق، ولولا زوجها لما أهبط إلى الدنيا. كما اشتهر أنّ إبليس سوّل لها أولاً فتوسل بإغوائها إلى إغواء آدم ولا شك في أنّ التعلق البدنيّ لا يتهيأ إلا بواسطتها { وبثّ منهما رِجالاً كثِيراً } أي: أصحاب قلوب ينزعون إلى أبيهم { ونساء } أصحاب نفوس وطبائع ينزعون إلى أمّهم { واتّقوا الله } في ذاته عن إثبات وجودكم، واجعلوه وقاية لكم عند ظهور البقية منكم في الفناء في التوحيد حتى لا تحتجبوا برؤية الفناء { الذي تساءَلُونَ به } لا بكم { والأرْحَام } أي: احذروا الأرحام الحقيقية، أي أقربة المبادئ العالية من المفارقات وأرواح الأنبياء والأولياء في قطعها بعدم المحبة، واجعلوها وقاية لكم في حصول سعاداتكم وكمالاتكم، فإنّ قطع الرحم بفقد المحبة، توجه عن الاتصال والوحدة إلى الانفصال والكثرة، وهو المقت الحقيقيّ والبعد الكليّ عن جناب الحق تعالى، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "صلة الرحم تزيد في العمر" ، أي: توجب دوام البقاء. واعلم أنّ الرحم من الظاهر صورة الاتصال الحقيقي في الباطن، وحكم الظاهر في التوحيد كحكم الباطن، فمن لا يقدر على مراعاة الظاهر فهو أحرى بأن لا يقدر على مراعاة الباطن { إن الله كانَ عليكُم رَقِيباً } يراقبكم لئلا تحتجبوا عنه بظهور صفة من صفاتكم، أو بقية من بقاياكم فتتعذبوا.