التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً
٥٦
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً
٥٧
إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً
٥٨
-النساء

تفسير القرآن

{ إنّ الذينَ كَفروا بآيَاتِنا } أي: حجبوا عن تجليات صفاتنا وأفعالنا. إذ مطلع الآية كونه متجلياً بالعلم والحكمة والمُلْك في آل إبراهيم { سوفَ نصليهم } نار شوق الكمال لاقتضاء غرائزهم وطبائعهم بحسب استعدادهم ذلك مع رسوخ الحجاب ولزومه، أو نار قهر من تجليّات صفات قهره تناسب أحوالهم، أو نار شَرْه نفوسهم وحدّة شوقها وطلبها لما ضريت بها من كمالات صفاتها وشهواتها مع حرمانها عنها { كلما نَضجت جُلُودهم } رفعت حجبهم الجسمانية بانسلاخهم عنها { بدلناهم } حجباً غيرها جديدة { ليذوقوا العذاب } نيران الحرمان { إنّ الله كان عزيزاً } قوياً يقهرهم ويذلهم بذل صفات نفوسهم، ويحرقهم بنيران توقانها إلى كمالاتهم مع حرمانهم أبداً { حكِيماً } يجازيهم بما يناسبهم من العذاب الذي اختاروه لأنفسهم بدواعيهم الغضبية والشهوية وغيرها، وميولهم إلى الملاذ الجسمانية فلذلك بدلوا حجباً ظلمانية بعد حجب.
{ والذينَ آمنُوا } بتوحيد الصفات { وعَملُوا } ما يصلحهم لقبول تجلياتها { سَندخلهم جنّات } الاتصاف بها ومقاماتها { تجري من تحتها الأنهار } أي: أنهار علوم تجلياتها من علوم القلب. والأزواج ههنا الأرواح المقدّسة التي هي مظاهر الصفات الإلهية المطهرة بالهيئات البدنية { وندخلهم ظلاً ظليلاً } أي: ظلّ الصفات الإلهية الدائم روحها بمحو الصفات البشرية.
{ إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها } أي: حق كلّ ذي حق إليه بتوفية حق الاستعداد أولاً، ثم بتوفية حقوق القوى كلها من كمالاتها التي تقتضيها، ثم بتوفية حق الله تعالى من أداء الصفات إليه، ثم أداء الوجود فتكونوا فانين في التوحيد. فإذا رجعتم إلى البقاء بعد الفناء، وحكمتم بين الناس، كنتم قائمين في الأشياء بالله، قوّامين بالقسط، متصفين بعدل الله بحيث لا يمكن صدور الجور منكم. وأقلّ الدرجات في العدل هو المحو في الصفات، إذ القائم بالنفس لا يقدر على العدل أبداً { إنّ الله كان سمِيعاً } بأقوالكم فيما بين الناس من المحاكمات، هل هي صائبة بالحق أم فاسدة بالنفس؟ { بَصِيراً } بأعمالكم، هل تصدر من صفات نفوسكم أو من صفات الحق؟.