التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
١٩
حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٠
وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٢٢
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ
٢٣
فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ
٢٤
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ
٢٥
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ
٢٦
فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٧
ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ
٢٨
وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ
٢٩
-فصلت

تفسير القرآن

{ حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم } أي: غيّرت صور أعضائهم وصوّرت أشكالها على هيئة الأعمال التي ارتكبوها، وبدّلت جلودهم وأبشارهم، فتنطق بلسان الحال، وتدل بالأشكال على ما كانوا يعملون. ولنطقها بهذا اللسان قالت: { أَنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } إذ لا يخلو شيء ما من النطق، ولكنّ الغافلين لا يفهمون { وقضينا لهم قرناء } أي: قدّرنا لهم أخداناً وأقراناً من شياطين الإنس والجنّ من الوهم والتخيل لتباعدهم من الملأ الأعلى، ومخالفتهم بالذات للنفوس القدسية والأنوار الملكوتية بانغماسهم في الموادّ الهيولانية، واحتجابهم بالصفات النفسانية، وانجذابهم إلى الأهواء البدنية والشهوات الطبيعية، فناسبوا النفوس الأرضية الخبيثة، والكدرة المظلمة، وخالفوا الجواهر القدسية والذاوت المجرّدة، فجعلت الشياطين أقرانهم وحجبوا عن نور الملكوت { فزينوا لهم ما بين أيديهم } ما بحضرتهم من اللذات البهيمية والسبعية والشهوات الطبيعية { وما خلفهم } من الآمال والأماني التي لا يدركونها { وحَقَّ عليهم القول } في القضاء الإلهيّ بالشقاء الأبديّ كائنين { فِي أُمم قد خلت من قبلهم من } المكذبين بالأنبياء والمحجوبين عن الحق من الباطنيين والظاهريين { إِنَّهُم كانُوا خَاسرينَ } لخسرانهم نور الاستعداد الأصلي، وربح الكمال الكسبي، ووقوعهم في الهلاك الأبديّ والعذاب السرمديّ.
{ ربنا أرنا الذين أضلانا } أي: حنق المحجوبين واغتاظوا على من أضلّهم من الفريقين عند وقوع العذاب وتمنوا أن يكونوا في أشدّ من عذابهم وأسفل من دركاتهم لما لقوا من الهوان وألم النيران وعذاب الحرمان والخسران بسببهم وأرادوا أن يشفوا صدورهم برؤيتهم في أسوأ أحوالهم وأنزل مراتبهم، كما ترى من وقع في البليّة بسبب رفيق أشار إليه بما أوقعه فيها يتجرّد عليه ويتغيظ ويكاد أن يقع فيه مع غيبته ويتحرّق.