التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
٣٠
نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ
٣١
نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ
٣٢
-فصلت

تفسير القرآن

{ إِن الذين قالوا ربنا الله } أي: وحدوه بنفي غيره وعرفوه بالإيقان حق معرفته { ثم استقاموا } إليه بالسلوك في طريقه والثابت على صراطه مخلصين لأعمالهم عاملين لوجهه، غير ملتفتين بها إلى غيره { تتنزّل عليهم الملائكة } للمناسبة الحقيقية بينهم في التوحيد الحقيقي والإيمان اليقيني والعمل الثابت على منهاج الحق والاستقامة في الطريقة إليه، غير ناكثين في عزيمة ولا منحرفين عن وجهه ولا زائغين في عمل كما ناسبت نفوس المحجوبين من أهل الرذائل الشياطين بالجواهر المظلمة والأعمال الخبيثة لتنزّلت عليهم { ألاَّ تخافوا } من العقاب لتنوّر ذواتكم بالأنوار وتجرّدها عن غواسق الهيئات { ولا تَحْزنوا } بفوات كمالاتكم التي اقتضاها استعدادكم { وأبشروا } بجنّة الصفات { التي كنتم تُوعدون } حال الإيمان بالغيب أو قالوا: { ربنا الله } بالفناء فيه ثم استقاموا به بالبقاء بعد الفناء عند التمكين { تتنزَّل عليهم الملائكة } للتعظيم عند الرجوع إلى التفصيل، إذ في حال الفناء لا وجود للملائكة ولا لغيرهم، { ألاَّ تخافوا } من التلوين { ولا تحزنوا } على الاستغراق في التوحيد، فإن أهل الوحدة إذا ردّوا إلى التفصيل ورؤية الكثرة غلب عليهم الحزن والوجد في أول الوهلة لفوات الشهود الذاتي في عين الجمع والاحتجاب بالتفصيل حتى يتمكنوا في التحقق بالحق حال البقاء وانشراح الصدر بنور الحق فلا تحجبهم الكثرة عن الوحدة ولا الوحدة عن الكثرة، شاهدين في تفاصيل الصفات عين الذات بالذات، كما قال تعالى لنبيه عليه السلام في هذه الحال: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } [الشرح، الآيات:1 - 3] وأبشروا بجنّة الذات الشاملة لجميع مراتب الجنان التي كنتم توعدونها في مقام تجليّات الصفات.
{ نحن أولياؤكم } وأحباؤكم في الدارين للمناسبة الوصفية والجنسية الأصلية بيننا وبينكم، كما أن الشياطين أولياء المحجوبين لما بينهم من الجنسية والمشاركة في الظلمة والكدورة { ولكم فيها ما تَشْتهي أنفُسكم } من المشاهدات والتجليات والروح والريحان والنعيم المقيم أي: إذا بلغتم الكمال الذي هو مقتضى استعدادكم فلا شوق لكم إلى ما غاب عنكم، بل كل ما تشتهون وتتمنون فهو مع الاشتهاء والتمني حاضر لكم في الجنان الثلاث { نزلاً } معدّاً لكم { من غفور } ستر لكم بنوره ذنوب آثاركم وأفعالكم وصفاتكم وذواتكم { رَحِيم } رحمكم بتجليّات أفعاله وصفاته وذاته وإبدالكم بها إياها.