التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ
٢
إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ
٣
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ
٤
أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
٥
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦
رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ
٧
لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٨
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ
٩
فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ
١٠
يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
١١
رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ
١٢
-الدخان

تفسير القرآن

{ إنَّا أنْزَلناه في لَيلَة مُبَاركة } الليلة المباركة هي بنية رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونها حادثة مظلمة ساترة لنور شمس الروح، ووصفها بالمباركة لظهور الرحمة والبركة من الهداية والعدالة في العالم بسببها وازدياد رتبته وكماله بها. كما سماها ليلة القدر لأن قدره عليه السلام معرفته بنفسه وكماله إنما يظهر بها، ألا ترى أنّ معراجه إنما كان بجسده؟، إذ لو لم يكن جسده لم يكن ترقيه في المراتب إلى التوحيد وإنزال الكتب فيها إشارة إلى إنزال العقل القرآني الجامع للحقائق كلها، والفرقاني المفصّل لمراتب الوجود، المبين لتفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها، المميز لمعاني الأسماء وأحكام الأفعال فيها وهو معنى قوله فيها: { فيها يفرق كل أمر حكيم } أو إلى إنزال الروح المحمدي الذي هو الكتاب المبين حقيقة في صورتها أو القرآن { إنّا كُنّا مُنْذرين } لأهل العالم بوجوده.
{ أمراً من عندنا } خصّ الأمر الحكمي بكونه من عنده لأن كل أمر يبتني على حكمة وصواب كما ينبغي من الشرائع والأحكام الفقهية إنما يكون من عنده مخصوصاً به مطلقاً لما في نفس الأمر وإلا كان أمراً مبنياً على الهوى والتشهي { إنَّا كنا مُرْسَلين * رحمة من ربّك } تامة كاملة على العالمين بإنزاله لاستقامة أمورهم الدينية والدنيوية وصلاح معاشهم ومعادهم وظهور الخير والكمال والبركة والرشاد فيهم بسببه أو مرسلين إياك لرحمة كاملة شاملة عليهم { إنّه هو السميع } لأقوالهم المختلفة في الأمور الدينية الصادرة عن أهوائهم { العليم } بعقائدهم الباطلة وآرائهم الفاسدة وأمورهم المخيلة ومعايشهم الغير المنتظمة، فلذلك رحمهم بإرسال الرسول الهادي إلى الحق في أمر الدين، الناظم لمصالحهم في أمر الدنيا. المرشد إلى الصواب فيهما بتوضيح الصراط المستقيم وتحقيق التوحيد بالبرهان وتقنين الشرائع وسنن الأحكام لضبط النظام.
{ فَارْتَقب يوم تأتي السَّماء بدُّخان مبين } أي: وقت ظهور آيات القيامة الصغرى أو الكبرى فإن الدخان من أشراطها. فاعلم أن الدخان هو من الأجزاء الأرضية اللطيفة المتصاعدة عن مركزها لتلطفها بالحرارة، فإن فسرنا القيامة بالصغرى فالدخان هو السكرة والغشية والانقباضية العارضة لسماء الروح عند النزع بسبب هيئة التعلق البدني والفترة المرتكبة على وجهها من مباشرة الأمور السفلية والميل إلى اللذات الحسية ولهذا قال عليه السلام في وصفه:
"أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره" . فإن المؤمن لقلّة تعلقه بالأمور البدنية وضعف تلك الهيئة المستفادة من مباشرة الأمور السفلية يقل انفعاله منها ويسهل زواله وخصوصاً إذا اكتسب ملكة الاتصال بعالم الأنوار. وأما الكافر فلشدّة تعلقه وقوة محبته للجسمانيات وركونه إلى السفليات تغشاه تلك الهيئة فتحيره وتشمله حتى عمّت مشاعره الظاهرة والباطنة ومخارجه العلوية والسفلية فلا يهتدي إلى طريق لا إلى العالم العلوي ولا إلى العالم السفلي { هذا عَذَاب أليم } ولما كان الغالب عليه التمني والتندّم فيتمنى ما كان فيه من الحياة والصحة ويتندّم على ما كان عليه من الفسوق والعصيان والفجور والطغيان، قال بلسان الحال: { ربنا اكشف عنا العذاب إنَّا مؤمنون } أو بلسان المقال على ما ترى عليه حال بعض من وقع في النزع من العصاة من التوبة وموعدة الرجوع إلى الطاعة.