التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ
٢٩
-الأحقاف

تفسير القرآن

{ وإذْ صَرَفنا إليك نفراً من الجنّ } الجنّ نفوس أرضية تجسدت في أبدان لطيفة مركبة من لطائف العناصر سماها حكماء الفرس الصور المعلقة، ولكونها أرضية متجسدة في أبدان عنصرية ومشاركتها الإنس في ذلك سميّا ثقلين، وكما أمكن الناس التهدّي بالقرآن أمكنهم. وحكاياتهم من المحققين وغيرهم أكثر من أن يمكن ردّ الجميع وأوضح من أن يقبل التأويل، وإن شئت التطبيق فاسمع. وإذْ صرفنا إليك نفراً من جنّ القوى الروحانية من العقل والفكر والمتخيلة والوهم حال القراءة في الصلاة، أي: أملناهم نحوك واتّبعناهم سرّك بالإقبال بهم إليك وصرفهم عن جانب النفس والطبيعة بتطويقهم إياك وتسخيرهم لك حتى يجتمع همّك ولا يتوزع قلبك ولا يتشوّش بالك بحركاتهم في وقت حضورك عند طلوع فجر نور القدس { يستمعون القرآن } الوارد إليك من العالم القدسيّ { فلما حضروه } أي: حضروا العقل القرآني الجامع للكمالات عند ظهور النور الفرقاني عليك { قالوا أنصتوا } أي: سكنوا وسكت بعضهم بعضاً عن كلامهم الخاص بهم مثل الأحاديث النفسانية والتصورات والهواجس والوساوس والخواطر والحركات الفكرية والانتقالات التخيلية. والقول ههنا حاليّ كما ذكر غير مرة إذ لو لم يسكنوا وينصتوا مستمعين لما يفيض عليهم من الواردات القدسية لم يبق من الوارد أثر، بل لم يكن بتلقي الغيب ولا ورود المعنى القدسي ولا تلاوة الكلام الإلهي كما ينبغي، ولهذا قال: { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [المزمل، الآية:6] ولأمر ما كان مبدأ الوحي منامات صادقة وذلك كون هذه القوى ساكنة متعطلة عند النوم حتى قوي على عزلها عن أشغالها وتعطيلها في اليقظة { فلما قضي } أي: الوارد المعنوي والنازل القدسي الكشفي { ولو إلى قومهم } القوى النفسانية والطبيعية ينذرونهم عقاب الطغيان والعدوان على القلب بالتأثير فيهم بالملكات الفاضلة وإفاضات الهيئات النورية المستفادة من المعنى القدسي النازل ويمنعونهم الاستيلاء على القلب بالتسخير والارتياض.