التفاسير

< >
عرض

لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً
٢٥
إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً
٢٦
وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ
٢٧
فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ
٢٨
وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ
٢٩
وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ
٣٠
وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ
٣١
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
٣٢
لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ
٣٣
وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ
٣٤
إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً
٣٥
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً
٣٦
عُرُباً أَتْرَاباً
٣٧
لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٣٨
ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
٣٩
وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
٤٠
-الواقعة

تفسير القرآن

{ لا يسمعون فيها لغواً } هذياناً وكلاماً غير مفيد لمعنى لكونهم أهل التحقيق متأدّبين بين يدي الله بآداب الروحانيين { ولا تأثيماً } من الفواحش التي يؤثم بها صاحبها كالغيبة والكذب وأمثالهما { إلا قليلاً سلاماً سلاما } أي: قولاً هو سلام في نفسه منزه عن النقائص مبرأ عن الفضول والزوائد، وقولاً يفيد سلامة السامع من العيوب والنقائص ويوجب سروره وكرامته ويبين كماله وبهجته لكون كلامهم كله معارف وحقائق وتحابا ولطائف على اختلاف وجهي الإعراب.
{ وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين } أي: هم شرفاء عظماء كرماء يتعجب من أوصافهم في السعادة { في سدر مخضود } أي: في جنة النفس المخضود عن شوك تضادّ القوى والطبائع وتنازع الأهواء والدواعي لتجرّدها عن هيئات صفاتها بنور الروح والقلب أو موقورة بثمار الحسنات والهيئات الصالحات على اختلاف التفسيرين { وطلح منضود } أي: في جنة القلب لأن الطلح شجرة الموز وثمرتها حلوة دسمة لذيذة لا نوى لها كمدركات القلب ومعانيه المجردة عن المواد والهيئات الجرمية بخلاف السدر التي هي شجرة النبق الكثيرة النوى كمدركات النفس الجزئية المقرونة باللواحق المادية والهيئات الجرمية منضود نضد ثمره من أسفله إلى أعلاه لا ساق بارزة لها لكثرة تكون مدركاته غير متناهية الكثرة { وظل ممدود } من نور الروح المروّح { وماء مسكوب } أي: علم يرشح عليهم ويسكب من عالم الروح، وإنما سكب سكباً ولم يجر جرياناً لقلّة علوم السعداء بالنسبة إلى أعمالهم، إذ ثقل علومهم الروحانية من المواجيد والمعارف والتوحيدات والذوقيات وإن كثرت علومهم النافعة { وفاكهة كثيرة } من المدركات الجزئية والكلية اللذيذة كالمحسوسات والمخيلات والموهومات والمعاني الكلية القلبية { لا مقطوعة } لكونها غير متناهية { ولا ممنوعة } لكونها اختيارية كلما شاؤوا أين شاؤوا وجدوها { وفرش مرفوعة } من فضائل الأخلاق والهيئات النورانية النفسية المكتسبة من الأعمال الحسنة، رفعت عن مرتبة الهيئات البدنية والجهة السفلية إلى حيز الصدر الذي هو الجهة العليا من النفس المتصلة بالقلب، أو حور من النسوان أي: الملكوت المتصلة بهم السماوية في المرتبة على اختلاف التفسيرين.
{ إنّا أنشأناهنّ إنشاءً } عجيباً نورانياً مجردة عن المواد، مطهرة عن أدناس الطبائع وألواث العناصر { فجعلناهن أبكاراً } أي: لم تتأثر بملامسة الأمور الطبيعية ومباشرة الطبيعيين الظاهرين من أهل العادة والمخالطين للمادة من النفوس { عرباً } متحببة إليهم محبوبة لصفائها وحسن جوهرها ودوام اتصالها بهم { أتراباً } لكونها في درجة واحدة متساوية المراتب أزلية الجواهر { ثلة من الأوّلين } لأن المحبوبين يدخلون على أصحاب اليمين جناتهم عند التداني والترقي في الدرجات وعند التدلي والرجوع إلى الصفات فيختلطون بهم وينخرطون في سلكهم { وثلة من الآخرين } لأن المحبين أكثرهم أصحاب اليمين واقفون مع الصفات دون محبة الذات وإن فسرنا الأولين والآخرين بأوائل الأمة المحمدية وأواخرها فظاهر لكثرة أصحاب اليمين في أواخرهم أيضاً دون السابقين.